في وقت تحرّكت الحكومة الليبية على خط أنقرةوأثينا بهدف الوصول إلى ترتيبات لوقف إطلاق النار مع الثوار، أعلن هؤلاء رفضهم عرضاً مزعوماً قدّمه اثنان من أبناء العقيد معمر القذافي يقضي بتنحيه وتولي أحدهما مسؤولية قيادة الدولة خلال مرحلة انتقالية. وصدر أمس موقف لافت عن روما التي قالت إنها تعترف بالثوار الليبيين ممثلاً وحيداً للشعب الليبي مؤكدة أن نظام القذافي «فقد مشروعيته وصدقيته ولم يعد يُعتبر طرفاً محاوراً في أي من مقترحات حل الأزمة». وقال وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني: «إن أي حل للأزمة يشترط خروج القذافي وأولاده من الحكم ومغادرتهم ليبيا». كذلك لوحظ تسجيل لندن بعض التحفظات على خطوات النظام الليبي. إذ نقلت وكالة «فرانس برس» عن ناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون: «كنا دائماً واضحين حول ما يجب أن تكون عليه المرحلة المقبلة والحاجات إلى هدنة حقيقية ونهاية لأعمال العنف». وأضاف: «لسنا نبحث عن استراتيجية خروج للقذافي». وأعلن فراتيني الموقف الإيطالي اللافت من الأزمة الليبية في مؤتمر صحافي مشترك عقده في مقر وزارة الخارجية بروما مع المسؤول عن السياسة الخارجية في المجلس الوطني الانتقالي علي العيساوي. ورداً على سؤال ل «الحياة» عن مبادرة وقف إطلاق النار وإمكان التوصل إلى ذلك بموافقة القذافي أو عدمها باعتباره طرفاً في الحرب الدائرة، أجاب فراتيني: «لقد أخلّ القذافي بكل الاتفاقات السابقة وينبغي على المجتمع الدولي أن يفرض عليه وقف النار لا أن يطلبه منه ذلك، من هنا تأتي ضرورة استخدام القوة معه لوقف اعتداءاته على المدنيين». وقال فراتّيني إن مواد القرار الرقم 1973 الصادر عن مجلس الأمن تتضمّن تقديم كل ما من شأنه أن يُمكّن المدنيين من حماية أنفسهم، ولم يستبعد مبدأ «تسليح المنتفضين كخيار أخير» في حال استمرار قصف قوات القذافي المدنيين. وقال وزير الخارجية الإيطالي إن «إيطاليا قررت الاعتراف رسمياً بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي واعتباره الطرف المحاور الشرعي والممثل لليبيا». وأضاف: «سنقوم بإعادة فتح مقر مكتب رعاية الشؤون الإيطالية في بنغازي، وأؤكد أن في بنغازي الآن ممثلين للحكومة الإيطالية ويتعاونون عن كثب مع المجلس الانتقالي الوطني الليبي، إلاّ أننا سنفتح مكتبنا في شكل رسمي قريباً». وأوضح فراتيني أن حكومته توصّلت إلى هذا القرار لأنها «تعتبر أن لا مستقبل للنظام في طرابلس، لقد فقد هذا النظام مشروعيته وصدقيته ولا أحد في العالم يعتبر نظام طرابلس طرفاً محاوراً ممكناً في الوقت الراهن أو في المستقبل». وأضاف: «أن أي حل يخص مستقبل ليبيا يشترط أمراً أساسياً وهو أن يترك القذافي ونظامه سُدّة الحكم وأن يغادر القذافي مع أفراد عائلته ليبيا». ووصف فراتيني ذلك بأنه «الحل السياسي الوحيد للأزمة». وكشف فراتيني أنه تحاور مع نظيره اليوناني (ديمتريس دروتساس) قُبيل لقاء العيساوي وعلم منه أن القذافي أوفد نائب وزير خارجيته عبدالعاطي العبيدي للتفاوض مع اليونان (ومع مالطا قبل ذلك) ناقلاً رسالة مفادها أن «النظام سيحترم وقف إطلاق النار. ولا تتضمن (الرسالة) شيئاً حول رحيل القذافي، ولهذا السبب لا يمكننا قبول» اقتراحات الحكم الليبي. وقال إن «القذافي يُرسل مبعوثيه محمّلين بمشاريع، إلاّ أنها، أي مقترحات القذافي، لا تملك صدقية وهي غير مقبولة». ورأى فراتيني أن «ليس بإمكاننا استبعاد» إمكان تسليح الثوار الليبيين لكن فقط «كخيار أخير». ووعد «باستخدام طائرات إيطالية لإجلاء جرحى من مستشفى مصراته (شرق طرابلس) إضافة إلى مستشفى عائم»، مقترحاً أيضاً «إرسال أطباء وممرضات الى مستشفى مصراتة». وتوجه نائب وزير الخارجية الليبي عبدالعاطي العبيدي الأحد إلى اليونان حيث التقى وزير الخارجية اليوناني ديمتريس دروتساس، وهو وصل أمس إلى تركيا على أن ينتقل منها إلى مالطا. وأوردت «فرانس برس» نقلاً عن وسائل الإعلام الإيطالية، أن نظام طرابلس يرغب في تعاون اليونان ومالطا بصفتهما عضوين في الاتحاد الأوروبي، وأنقرة لكونها عضواً بارزاً في حلف شمال الأطلسي، في وساطة بهدف إيجاد وقف لإطلاق النار. وأكد رئيس الوزراء المالطي لورنس غونزي انه سيلتقي (في وقت لاحق الاثنين) مبعوث نظام القذافي لينقل إليه رسالة فاليتا القاضية بضرورة وقف أي شكل من أشكال العنف. ورداً على سؤال لقناة «راي 2» الإيطالية من بنغازي، اعتبر رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبدالجليل أن ثمة فقط طريقين ممكن سلوكهما: «إما أن يساعدنا الحلف الأطلسي على التخلص من القناصة أو أن يسلّحنا كي يفعل مقاتلونا ذلك». وأشار إلى أن مسؤول المجلس الوطني الانتقالي للسياسة الخارجية توجه إلى روما «للطلب من إيطاليا الاضطلاع بدور مهم في إطار مهمة الحلف الأطلسي لحماية الشعب الليبي». وشكر عبد الجليل لإيطاليا انضمامها في عمليات فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا «والدور المهم لقواعدها في حماية ومراقبة أراضي وشعب» ليبيا. وفي أثينا (أ ف ب)، أعلن وزير الخارجية اليوناني أن إرسال ليبيا مبعوثاً لها للقاء الحكومة اليونانية ثم إلى تركيا ومالطا يُظهر أن النظام الليبي يبحث عن مخرج للأزمة. وقال الوزير دروتساس إن «من المبكر جداً» إعطاء تفاصيل عن الحلول المنوي اعتمادها، واصفاً مهمة عبدالعاطي العبيدي بأنها «خطوة أولى مهمة» باتجاه حل ديبلوماسي للنزاع الدائر حالياً بين قوات القذافي وبين الثوار وائتلاف دولي. وأشاد الوزير دروتساس بهذا «الحراك» الليبي، قائلاً: «أود القول إن هناك أملاً، حتى ولو كان صغيراً، للذهاب إلى حل سياسي أو ديبلوماسي نرغب فيه جميعنا، وخصوصاً اليونان». وتحدث عن ضرورة حصول «فترة انتقالية لضمان الأمن والاستقرار في ليبيا» وكذلك تحضير «تغييرات ضرورية». وفي أنقرة (أ ف ب)، أعلنت مصادر رسمية أن العبيدي وصل إلى تركيا من أجل «طلب مساعدتها» على التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع الثوار الليبيين. وقال مصدر حكومي تركي ل «فرانس برس» طالباً عدم كشف اسمه: «هناك مطالب (قُدّمت إلى تركيا) من طرفي النزاع» في ليبيا، أي قوات العقيد القذافي والثوار. وأضاف أن «أولوية تركيا في ليبيا هي إقامة وقف للإعمال العدائية». وأوضح ديبلوماسي تركي رفيع المستوى أن ممثلين للثوار قد يصلون «قريباً» إلى تركيا لبحث الأمر نفسه الذي جاء من أجله العبيدي. وقال المسؤول نفسه إن «الطرفين ابلغانا امتلاكهما بعض الآراء حول وقف لإطلاق النار. سنتكلم مع الطرفين لرؤية ما إذا كان هناك مجال للتفاهم». وتأتي زيارة العبيدي بالتزامن مع زيارة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فوغ راسموسن الذي ناقش مع القادة الأتراك في مهمة الأطلسي في ليبيا التي تشارك فيها تركيا بقوة بحرية. وعقد راسموسن لقاء مغلقاً مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. وحضر الاجتماع كل من وزير الدفاع وجدي غونول ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو. وفي بنغازي (أ ف ب)، رفض المجلس الوطني الانتقالي فكرة مرحلة انتقالية يقودها أحد أبناء معمر القذافي، وفق عرض تحدثت عنه صحيفة «نيويورك تايمز». وقال الناطق باسم المجلس شمس الدين عبدالمولى من بنغازي معقل الثوار في شرق ليبيا إن هذه الفكرة «يرفضها المجلس في شكل تام». وأضاف: «على القذافي وأبنائه أن يرحلوا قبل أي مفاوضات ديبلوماسية». ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» مساء الأحد أن اثنين على الأقل من أبناء القذافي هما سيف الإسلام والساعدي يعرضان عملية انتقال إلى ديموقراطية دستورية تتضمن رحيل والدهما عن السلطة. ونقلت الصحيفة عن ديبلوماسي طلب عدم كشف اسمه ومسؤول ليبي على اطلاع بالاقتراح انه في حال تبني هذا الطرح فسوف يتولى سيف الإسلام القذافي إدارة المرحلة الانتقالية. لكن بحسب المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي فإن موقف سيف الإسلام منذ بدء الثورة في 15 شباط (فبراير) أظهر أن سمعته كرجل تغييري خاطئة. وقال إن «الناس يعتقدون إنه إصلاحي لكن منذ انطلاق الثورة، أظهر وجهه الحقيقي. إنه نسخة عن والده». وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن سيف الإسلام والساعدي القذافي «يريدان التقدم نحو تغيير البلاد» من دون والدهما. واقتراحهما بقيام مرحلة انتقالية يمكن أن تترجم الاختلافات القائمة منذ زمن بعيد بين أبناء القذافي، بحسب الصحيفة. وفي وقت كان سيف الإسلام والساعدي ينتميان الى المدرسة الغربية، فإن نجلي القذافي الآخرين خميس ومعتصم يعتبران من المتشددين، بحسب الصحيفة الأميركية. وخميس القذافي يرأس ميليشيا موالية للحكومة. فيما معتصم مستشار الأمن القومي يعتبر منافساً لسيف الإسلام في السباق على خلافة والدهما، كما أوردت «نيويورك تايمز» أيضاً.