لا يزال معرض القاهرة الدولي للكتاب في طليعة المعارض العربية، لا لعراقته فحسب وإنما لما يُمثل من ظاهرة فريدة تجمع بين الطابعين الثقافي والشعبي. فكما هو حدثٌ يجمع الناشرين والكتّاب والقراء، مصريين وعرباً، هو أيضاً حدثٌ جماهيري يجذب شرائح اجتماعية عدة تضفي عليه سمات فريدة. وعلى رغم ارتفاع معدل الغلاء وانعكاسه سلباً على القدرة الشرائية في مصر، إلا أن الزوار سيملأون قاعات المعرض الرحبة، ولو خرجوا بأقل ما يمكنهم من كتب. وبحثاً عن وسائل استثمار «القوة الناعمة» في مصر، تنطلق غداً الدورة التاسعة والأربعون لهذا المعرض الذي يُعد من أجمل المواعيد الثقافية، وتستمر حتى 10 شباط (فبراير) المقبل وسط أجواء من «الدراما السياسية» تعيشها مصر في سياق تطورات ملف الانتخابات الرئاسية. وعطفاً على هذه الأجواء، يُتوقع أن تتراجع خلال المعرض سمة السجال السياسي والمناظرات بين قوى معارضة وأخرى رسمية؛ خصوصاً في ما يتعلق بثورة 25 يناير التي يبدو أن هناك اتجاهاً لوضعها في طي النسيان. تشارك في هذه الدورة 27 دولة، بينها 15 دولة عربية ودولتان إفريقيتان وعشر دول أجنبية؛ ويمثلها نحو 849 ناشراً، بينهم ناشران إفريقيان وعشرة أجانب و368 ناشراً عربياً. ووضعت اللجنة العليا للمعرض شعار «القوى الناعمة... كيف؟»، عنواناً رئيساً لندواته التي سيشارك فيها أكثر من 100 كاتب ومفكر وفنان؛ إلى جانب بعض كبار لاعبي كرة القدم الذين يظهرون كمعبرين عن مكوّنات هذه القوى التي هي «السلاح الأقوى لمواجهة أشكال التطرف كافة»، وفق بيان اللجنة المنظمة. وتضم اللجنة عدداً من الفاعلين في العمل العام، ومنهم الكاتب محمد سلماوي، والباحث نبيل عبدالفتاح، والكاتب يوسف القعيد، وضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، والناشر شريف بكر، والإعلامي محمود الورواري، ومصطفى عز العرب. ووفقاً للتوقعات، قد تكون هذه الدورة آخر دورات المعرض في مقره الحالي في ضاحية مدينة نصر شرق القاهرة، بعدما انتهت تقريباً تجهيزات «مركز المعارض الدولية» في ضاحية التجمع الخامس البعيدة من التجمعات السكنية؛ ليستضيف العام المقبل دورة اليوبيل الذهبي للمعرض؛ ما قد يحد من إقبال الجمهور الذي بلغ العام الماضي نحو 6 ملايين زائر. وهذه الدورة هي الاختبار الأول الذي تواجهه وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، لكنها وفق تصريحات رئيس المعرض هيثم الحاج علي «لم تتدخل في البرنامج الذي أعدته سابقاً اللجنة المنظمة، واكتفت بمتابعة الاستعدادت اللوجستية بعناية». وتناقش الندوات الفكرية كلّ ما من شأنه تفعيل دور القوى الناعمة على أرض الواقع، بما في ذلك اقتصادات الثقافة وبناء جسور مع الثقافات الأخرى. وتُنظم سلسلة من الندوات حول «رموز مصرية»، كما أعدت اللجنة برنامجاً للاحتفاء ب «بعض المناسبات التي تواكب المعرض، مثل مرور 30 عاماً على فوز الكاتب نجيب محفوظ بجائزة «نوبل»، و100 عام على ميلاد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، و120 عاماً على ميلاد الكاتب توفيق الحكيم. وتحل الجزائر ضيف شرف بعدما كانت مصر ضيف شرف «صالون الجزائر الدولي للكتاب» العام 2016، ومن المنتظر مشاركة وفد جزائري كبير. واختير الكاتب المصري الراحل عبد الرحمن الشرقاوي شخصية هذا العام، الأمر الذي عزاه هيثم الحاج إلى ما يمثله الشرقاوي من قيم يسعى المعرض إلى ترسيخها، فهو كاتب تنويري متعمق في تراثه، وله انحيازاته الداعية إلى العدالة الاجتماعية والحرية. وتتكرر للعام الثاني على التوالي مشاركة الأزهر، في إطار مساعي تجديد الخطاب الديني، ضمن جناح لعرض الكتب والمطبوعات الصادرة عن قطاعاته المختلفة، فضلاً عن ندوات يومية لعلماء الأزهر طوال فترة المعرض. ويبدو لافتاً أن إدارة المعرض سعت إلى تسويق برنامجه من خلال منصات التواصل الاجتماعي والتركيز على جمهور الشباب، كما يشير عضو اللجنة المنظمة الناشر شريف بكر. ولفت إلى أن ندوات البرنامج المهني تبحث للمرة الأولى ظواهر شبابية مرتبطة بالقراءة والكتب، تعرف باسم «البوك تيوب»، إذ يشارك في البرنامج ناشطون في مواقع الترويج للكتب من خلال خدمات «يوتيوب» و «غودريدز» وبقية منصات ال «سوشيال ميديا»، إلى جانب البحث في واقع الكتاب الورقي الآن بعد أن تمكّن من استعادة حضوره. وعلى رغم التحسن البادي في برامج المعرض، إلا أنه لم يسلم من انتقادات «التمهيد النيراني»، إذ انتقد ناشطون على مواقع التواصل غزارة النشاطات الفنية والجماهيرية البعيدة من النشاط الرئيس المرتبط بالكتاب، في حين اعتبرها آخرون واحدة من وسائل الجذب الجماهيري، وطالب بعضهم بعدم تكرار الوجوه التي صارت في حكم «المقررات الدراسية». أما الأمسيات الشعرية التي ينظمها المعرض، فبلغت العام الحالي رقماً قياسياً مع إعلان مشاركة نحو 200 شاعر مصري وعربي في أمسيات جماعية، باستثناء أمسية افتتاحية يغرّد خلالها الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي وحيداً.