رغم أن نظام المطبوعات السعودية قبل التعديلات وبعدها، نظام شبه شامل إلا أن هناك نسخة مخبأة منه لا يجري التركيز عليها عند التطبيق، والاختباء هنا اختياري، تفتت بين وزارة الإعلام وجهات حكومية أخرى. فالشغل الشاغل لنظام المطبوعات يتركز على الرأي والخبر، والتقارير والتحقيقات تأتي لاحقاً، انه يركز على العمل الصحافي وهو أمر طبيعي لكن هذا العمل أمر آخر شمله نظام المطبوعات بمواد تنظمه وهو الإعلان. هناك رقابة على الإعلان في المطبوعات لكنها ضعيفة إلى حد بعيد والحكم الأخير من عندي، واستدل باستمرار نشر إعلانات تسبب أضراراً مختلفة للمجتمع، يحدث هذا منذ سنوات طويلة، بل إنها ازدادت وتوالدت. تتنوع الأضرار التي تسببها بعض الإعلانات، من الصحية إلى الاجتماعية والاقتصادية، فإذا كان استخدام «الإسلامي»، على سبيل المثال، أصبح عرفاً لدى قطاع المصارف (والله أعلم بشرعيته ففيه اختلاف)، فإن الأضرار الصحية من منتجات أو خدمات يعلن عنها والأضرار الاجتماعية من أخرى تُنشر أكثر بروزاً. أتذكر في بدايات عملي بالصحافة أن الإعلان كان مقيداً أكثر، بسبب صغر حجم الوحش المادي، ثم اتسع الشق على الراقع حتى وصل إلى مرحلة مخجلة في بعض صوره. الصحف المحلية المعروفة أكثر التزاماً من غيرها في نشر الإعلانات التجارية إلا أن هذا الالتزام نسبي ما بين صحيفة وأخرى يكبر في واحدة مثل الجبل ويتحول إلى تل صغير في أخرى، وهنا أتذكر أن رئيس هيئة حقوق الإنسان في المملكة أبدى انزعاجه من إعلانات «بيع الخادمات وتأجير خدماتهن» على سبيل المثال، وأنا على يقين أن وزارة الصحة منزعجة من إعلانات تخضع لنطاق اختصاصاتها، وهيئة الغذاء والدواء كذلك وغيرها من جهات، ولو سألت لقالوا لك إننا كتبنا وخاطبنا، وينتهي الأمر عند هذا الحد، أما إذا ركزت على الشأن الاجتماعي المهم والخطير فلن تجد جهة تهتم، إنه من الأمور المهملة، فلا محام للمجتمع ونسيجه مع حديث لا ينقطع عن خصوصيات. الجهة الوحيدة المنظمة تنظيماً احتكارياً هي المصارف، اشتغلت على منع ما يضر مصالحها، أما غيرها فالسوق مفتوحة. هناك مواد في نظام المطبوعات تنظم هذه المسائل فإما أنها لا تطبق أو أنها لا تؤثر بدليل استمرار الممارسات الإعلانية المضرة بل وتوالدها، ما هو سبب استمرار ذلك؟ أخمن أنه عدم وجود جهة معنية أساساً بحماية المجتمع، فلكل جهة صلاحيات تحاول أن تخفف من واجباتها فيها برمي الكرة في ملعب أخرى. لكن المثير أن كل تلك الممارسات الإعلانية السيئة والمتجاوزة أحياناً لم تحظ بنصيب من تعديلات المطبوعات الجديدة، وكأنه لا يرى منها خطراً بمقدار خطر كتابة الرأي والخبر في الصحافة. www.asuwayed.com