غيّب الموت صباح أمس الأديب والشاعر عبدالله بن خميس في مستشفى قوى الأمن بالرياض. وابن خميس، المولود في عام 1919 في واحدة من قرى الدرعية بمنطقة الرياض، يعد أحد الرموز الأدبية في الجزيرة العربية، فهو باحث وأديب، ينتمي إلى جيل عانى كثيراً حين لم يكن متاحاً له الوسائل والمميزات التي يتنعم بها أجيال اليوم، لذلك كانت الحياة شاقة والدروب وعرة أمامهم. وزار أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمس منزل الراحل وقدم عزاءه ومواساته لأبنائه: عبدالعزيز ومحمد وعدي وطارق وزياد وياسر، الذين ثمنوا هذه اللفتة الكريمة، وقال عبدالعزيز: « هذا ليس بمستغرب على حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والنائب الثاني وأمير منطقة الرياض بمشاركة أبنائهم المواطنين بتقديم واجب العزاء». ألف ابن خميس عشرات الكتب في الأدب والنقد والتراث وأدب الرحلات، وبعض هذه الكتب اعتبر في حينه، ولا يزال، مراجع أساسية لا بد للدارس والمهتم بالأدب في الجزيرة العربية من العودة إليها. وكان له برنامج يعده ويقدمه بعنوان «من القائل» لقي رواجاً وشهرة واسعة. كرم ابن خميس كثيراً وقوبلت كتبه وجهوده بالعرفان والتقدير، فهو نال جائزة الدولة التقديرية في الأدب 1982، واختاره المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) شخصية ثقافية للعام 2002 ومنح وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى. وعلى الصعيد الخارجي، قلده الرئيس ميتران وسام الشرف الفرنسي، درجة فارس. كما نال وسام الثقافة من تونس من الرئيس الحبيب بورقيبة. أسس ابن خميس نادي الرياض الأدبي 1975 وكان أول من ترأسه، وتقلد مناصب عدة، وشغل مهام كبيرة، قبل أن يطلب التقاعد في عام 1972 ليتفرغ للبحث والتأليف. ومن أهم كتبه «تاريخ اليمامة» و«المجاز بين اليمامة والحجاز» و«معجم جبال الجزيرة» و«جهاد». قال عنه وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، في ليلة تكريمه التي نظمها نادي الرياض الأدبي قبل مدة، إنه تحول «رمزاً لتلك القيم العلمية والأدبية التي تحتفل بها أجيال من المثقفين والمثقفات في وطننا العربي الكبير»، مشيراً إلى أن ابن خميس «مكتبة في رجل، فتراثه العلمي الباذخ يعيد إلى الأذهان أسماء تلك الكوكبة العظيمة من العلماء الأعلام في تراثنا الأدبي والتاريخي والجغرافي، بما أتاحه له الله من فسحة في العلم، وذاكرة ثرية وعت جليل المرويِّ، شعراً ونثراً، فكان، بحق جبلاً من العلم». هنا شهادات أدبية حول الراحل: محمد الربيع: من أعلام الفكر الشيخ ابن خميس رحمه الله يحتاج للكتابة عنه كثيراً، فهو علم من أعلام الفكر والثقافة البارزين في المملكة، وبوفاته فقدنا رائداً من كبار الرواد في مجالات متعددة لكن يجمعها الحب لهذه الأرض (الجزيرة العربية)، والتي كتب وألف عن تاريخها وعن جبالها وأوديتها، وأيضاً نظم من الشعر في تمجيدها والحديث عن مآثرها ما يزخر به ديوانه الأول "على ربى اليمامة". والشيخ ابن خميس له ريادات كثيرة، فقد اصدر رحمه الله جريدة الجزيرة وكتب في وقت مبكر عن تعليم المرأة وعن اقتصاد البلاد والثروة النفطية وشارك في كل الحملات الخيرية التي أقيمت في المملكة عامة والرياض خاصة لنصرة ودعم إخواننا الفلسطينيين، إضافة لمكانته العلمية بعمله مراسلاً لمجمع اللغة العربية بالقاهرة. وهو قمة من قمم الأدب العربي، إذ جمع بين الأصالة والجزالة في شعره ونثره، وبين الاهتمام بقضايا الأمة العربية والإسلامية، والدفاع عن الأصالة والتمسك بالأخلاق الفاضلة والمثل العليا. ناصر الحجيلان: ترك بصمة واضحة في الأدب فجعنا في فقيد الأدب الشيخ عبد الله بن خميس الذي ترك بصمات واضحة في الأدب بشقيه الفصيح والعامي، وفي مجال التراث العربي، إذ له إسهامات في مجالات التاريخ واللغة كما أنه من الرواد الأوائل في الصحافة من خلال مساهمته في تأسيس صحيفة الجزيرة. وإذ نفقد احد رواد الفكر والأدب في بلادنا فهذا يجعلنا نشعر أننا أمام مسؤولية كبيرة في الاستفادة من هذا الفكر والثقافة ونقلها للأجيال القادمة، واضعين في عين الاعتبار المعطيات الاقتصادية والثقافية والسياسية التي صاحبت ظهور هؤلاء الرواد في فترة كانت الموارد شحيحة، وكان التواصل التقني محدوداً، ومع هذا استطاعوا تقديم منجز مميز وناضج نحتفي به إلى هذا اليوم، وهذا يدعونا وجيلنا من الشباب ألا نجعل المعوقات والعراقيل سبباً في تقاعسنا في تقديم الفكر والثقافة في بلادنا. عبدالله الوشمي: قيمة ثقافية وأدبية كبرى يمثل الشيخ عبدالله بن خميس أحد القيم الثقافية والأدبية الكبرى، وتأتي هذه القيمة من خلال المسارات المعرفية والإدارية التي تكوَّن من خلالها، فهو ابن المؤسسة الإدارية باعتباره وكيلاً سابقاً لوزارة المواصلات، وهو ابن الإعلام، باعتباره ضمن المؤسسين لمساراته صحافياً وإذاعياً، وهو ابن القصيدة العربية الأصيلة باعتباره أحد الشعراء البارزين، وهو ابن الإدارة الثقافية باعتباره أول رئيس للنادي الأدبي، وهو ابن التأسيس الثقافي باعتباره مثقفاً فاعلاً على مستوى الأسرة، إذ جاءت أسرته مميزة من حيث العطاء الفكري، وهو ابن التواصل السعودي العربي باعتبار صلاته الثقافية في المجامع العربية، وما زلت أذكر أحد زائرينا من المثقفين العراقيين، وهو يقول إنه يستمتع بالنمط العربي الفخم حين يستمع إلى القصائد ملقاة بصوت الشيخ ابن خميس. وأما على مستوى النادي، فهو أول رئيس له، وكان آخر تكريم يلقاه الشيخ هو الذي نفذه النادي، من خلال الليلة الكبيرة التي نفذناها بالشراكة مع صحيفة الجزيرة، وبرعاية وزير الثقافة والإعلام وحضوره،. والعزاء في وفاته للوطن والقيادة ولأسرته، والدعوة صادقة للجامعات والمؤسسات الثقافية بأن تعود إلى إنتاجه بالدرس والتحليل والدراسة، وأن تتم استعادته بإعادة طباعته، ودراسته على مستوى وعيه بالقصيدة العربية والنبطية ورحلاته ومشاركاته اللغوية والإعلامية. عبد الله الحيدري: رائد في الصحافة ما من شك بأن ابن خميس من الجيل الرائد والمؤسس في المملكة، وهذا الكلام لا نقوله بشكل يمتزج بالمبالغة والإنشائية، وإنما هي حقائق تتمثل أولاً في ريادته الصحافية إذ نهض بتأسيس صحيفة «الجزيرة» عام 1960 إضافة إلى أنه من الأدباء الكبار الذين اهتموا بالبلدانيات والوقوف على الأماكن وتحقيق المواضع في الجزيرة العربية إلى درجة أنه يذكر في أحد كتبه أن قدمه وطأت كل مكان في الجزيرة العربية. وهذا الكلام يدعمه جملة من المؤلفات الرصينة، ومجموعة مقالاته ذات القيمة الفنية في النقد المتمثلة في كتاب «من جهاد قلم». وابن خميس رحمه الله إضافة لجهوده الأدبية بصفته رائداً ومؤسساً، فهو رجل دولة عمل مديراً للمعهد العلمي بالأحساء، ومديراً لمصلحة المياه، ووفاته خسارة كبيرة لبلده وللبلدان العربية، رحم الله الفقيد الكبير وأسكنه فسيح جناته. فاطمة العتيبي: تنوير غير مسبوق رحل ابن خميس لكنه لا يرحل أبداً عن التاريخ الثقافي السعودي، فلابن خميس فتحان مهمان: أولهما التنوير الإعلامي بتأسيسه لصحيفة «الجزيرة» وإيمانه بالكلمة تأثيرها واتصافها بالشفافية، وثانيهما اهتمامه الكبير بالثقافة الشفاهية الخاصة للصحراء عبر اهتمامه بتوثيق الشعر الشعبي، وهو بذلك سباق إلى الاحتفاء بما تهتم به المنظمات الثقافية العالمية في وقتنا الحاضر، اذ تعتبر المحافظة على الثقافة والموروث الخاص دلالة وعي وتنوير غير مسبوق يحسب لابن خميس ولا شك. رحم الله التنويري ابن خميس، ومثله يرحل جسداً ويبقى بيننا دائما ذكراً وتاريخاً. علي الخشيبان: يصعب أن تعوضه الأجيال، عندما تفقد المجتمعات أدبائها فهذا يعني فراغاً في المنظومة الثقافية والأدبية وإذا كان الفقيد بحجم عبد الله بن خميس فإن الفاجعة كبيرة، فالأدباء والمفكرون يشبهون النجوم في السماء واختفاء احدهم لاشك يعنى ظلمة كبيرة وهنا مفترق الطرق والفراغ في المنظومة الأدبية. عبد الله بن خميس عرفه المجتمع صوتاً عذباً من خلال إنتاجه الفكري وتلك السنوات التي حفر بها اسمه في أصعب لوحة في الوجود، ألا وهي لوحة المجتمع حين تقدم هذا المفكر والشاعر والأديب إلى الساحة الثقافية عبر سنواته الطويلة التي عاشها عبر إنتاجه الوطني الذي لا شك انه من أعظم الصور التي تظهر فيها معاني الوطنية لهذا الرجل الكبير في فكره. اليوم نحن نفقد عبد الله بن خميس ولكننا لا نفقد إنتاجه ومسيرته الفكرية وما يستحقه منا هو آن نتعلم كيف صنع ابن خميس هذه المنظومة الرائعة من الفكر والأدب والتاريخ ، فهذا الرجل من العلامات البارزة فكرياً وثقافياً في هذا الوطن الكبير الذي لا ينسى وفاء أبنائه الذين يقدمون الكثير من اجله. ولعل الشيخ الجليل ابن خميس رحمه الله هو احد أولئك الذين يستطيع الجيل الجديد أن يستخلص من سيرتهم الذاتية ومسيرتهم الفكرية معاني الوطنية والمثابرة والإنتاج. لقد استمعت كثيراً لبرنامج شيخنا الجيل البرنامج الإذاعي المشهور «من القائل» ولم يكن هناك من برنامج يشد الكثير من المستمعين كذلك البرنامج وكنت اعتقد آن ابن خميس شاعر لا يتعاطى سوى الشعر العربي الفصيح، ولكنني فوجئت بمهارة فذة لهذا الشيخ المبدع وهو يلقى قصيدة باللغة النبطية في احد اللقاءات الإذاعية، لقد كانت مهاراته المميزة تدل على أديب شامل ونبع متدفق من الفكر والأدب. إن مسؤولية كتابة سيرته الذاتية يجب آن تناط بالأديبة أميمة الخميس، التي بلا شك أنها عاشت في بلاط الأدب والشعر الخاص بعبد الله بن خميس، وهذا ما سيعطيها القدرة على تصوير مشاهده الفكرية والأدبية بصورة رائعة، يستفيد منها الجيل الجديد من صغار المثقفين والأدباء. أسال الله أن يرحم شيخنا الجليل وان يسكنه فسيح جناته.