فرضت «عواصف التغيير» الإقليمية نفسها على «منتدى الإعلام العربي» الذي انطلق في دبي أمس، بحضور مئات الإعلاميين العرب والأجانب، وأولى اهتماماً لظاهرة «عفاريت الإنترنت» الذين أسهموا في تغيير ملامح المنطقة سياسياً وإعلامياً، من خلال حشد افتراضي نقل حراك الشارع إلى العالم بالصوت والصورة فحرّك الجماهير وأطاح بأنظمة حكمت دولها لعقود. ولم ينكر أقطاب الإعلام العربي، الذين حضروا للمشاركة في هذه التظاهرة الإعلامية السنوية، أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها المنطقة العربية، فرضت إعلاماً من نوع آخر، أبطاله غيرهم، ومنابره تختلف عن تلك التي عهدوها. فالمواقع الاجتماعية التي يستخدمها المدوّنون في نقل ما يحدث في الشارع بالصوت والصورة، استقطبت جمهوراً من جميع شرائح المجتمع، وتمكنت من التحول إلى نافذة أسهمت في تغيير ملامح الإعلام العربي. وأكد المشاركون أن المشهد الإعلامي لعام 2011، كرّس ظاهرة «المراسل المواطن» في تغطية الأحداث التي لا يتمكن الصحافيون التقليديون من تغطيتها على الأرض، بسبب القمع الذي يتعرضون له من قبل السلطات، وتنامي دور المواطن العادي في نقل الأخبار والصور عبر المواقع الاجتماعية أو الصحف/ الصفحات الإلكترونية، ما اضطر القنوات الفضائية إلى الاعتراف بها كمصدر أول للمعلومات. وسلّطت جلسات المنتدى، الذي حضره نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الضوء على تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على صناعة الأحداث، مستحضرة دور «فايسبوك» و «تويتر» و «يوتيوب» في تغيير وجه العالم لا سيما في الثورات الجديدة في العالم العربي التي لم تكن أدواتها التلفزيون ولا الصحف اليومية ولا الكاميرات الكبيرة، وإنما الإنترنت وعدسات الموبايل. وأشار رئيس مجلس الوزراء المصري عصام شرف، في كلمة ألقاها نيابة عنه وزير الثقافة عماد أبو غازي، إلى أن الأشهر الأخيرة «أبرزت دور الإعلام الجديد في قيادة حركة التغيير، ما يطرح تحديات كبيرة أمام المؤسسات الإعلامية التقليدية، إذ يمكن لعصر الشبكة المفتوحة أن يكسر القيود التي فرضتها الأنظمة السابقة». وأكد المشاركون في المنتدى أن الإعلام، بروافده المتعددة، لا يشكل، فحسب، مصدراً مهماً لاستقاء المعلومة من دون أن تكون خاضعة لمقص الرقيب أو لوصاية المؤسسة الإعلامية الرسمية، لكنه يؤدي أيضاً دوراً كبيراً في إشراك المتلقي نفسه في عملية صناعة الخبر وتكوين مفرداته وتصوير مشاهده، ما يجعل منه صحافياً ومصوراً وكاتباً ومدوناً ومعلقاً. ولم يغفل المنتدى انعكاسات ما يسمى «وثائق ويكيليكس» على المشهد الإعلامي الإقليمي والعالمي، إذ ساهمت في فرض واقع جديد يؤسس لنشر ثقافة «الفضح»، ويفرض على الحكومات إعادة حساباتها في ما يتعلق بنشر المعلومات. وعلى رغم أن أقطاب الإعلام التقليدي الذين حضروا إلى المنتدى من المحيط الى الخليج، باتوا يشعرون بأن البساط بدأ يسحب من تحت أقدامهم من قبل «عفاريت الإنترنت»، إعلامياً على الأقل، غير أنهم أكدوا أن أمامهم تحدياً كبيراً وهو التركيز في المرحلة المقبلة على الفضاء الإلكتروني. ولم يغفل منظمو المنتدى دور الشباب في إحداث «عواصف التغيير» في المنطقة، حيث خصصت ندوة بعنوان «الشباب العربي يصنع منبره»، تحدثت فيها مجموعة ممن لهم الفضل في إحداث نقلة في المشهد العربي الحديث. وأشاروا إلى أن الأرقام المرتبطة بانتشار الإعلام الجديد تبيّن أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي بلغ 55 مليون مستخدم، وأن عدد العرب المشتركين في «فايسبوك» بلغ 15 مليون مشترك، في حين بلغ عدد المدوَّنات العربية 490 ألف مدونة. وعلى رغم الثورة الإعلامية التي أحدثها الإعلام الاجتماعي، فإن بعض الإعلاميين جادلوا، في كواليس المنتدى، بأن الاستخدام الخاطئ لهذه التقنيات يفتح الباب أمام إشكالية التأكد من مصداقية المرسل أو مستخدم هذه التقنيات. ففي حال إرسال فيديو مثلاًَ، كيف يمكن التأكد من أنه لم يتم التلاعب بالصور رقمياً؟ وهل نستطيع الوثوق بمعلومات مصدرها أشخاص يناصرون قضاياهم، وليسوا صحافيين مدربين وربما يكونون منحازين؟ كل هذه الأسئلة كانت مثار جدل واسع بين المعنيين بالإعلام، إلا أنهم لم يقلّلوا من تأثير تلك المنابر في صناعة الإعلام.