السعودية وقطر تعقدان الاجتماع الثاني للجنة التنسيق الأمنية والعسكرية    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل في المنطقة    الإسعاف الجوي بنجران ينقل مصابا في حادث انقلاب    مقتل 21 مسلحا ..وأردوغان يهدد أكراد سورية    تدشين مسار «لامة مدر» التاريخي بحائل بالشراكة بين البنك العربي الوطني و«درب»    الأمير عبد العزيز بن سعود يكرم مجموعة stc الممكن الرقمي لمعرض الصقور والصيد السعودي الدولي ومهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    مساعد وزير التعليم يدشن في الأحساء المعرض التوعوي بالأمن السيبراني    استشهاد فلسطيني متأثراً بإصابته في قصف إسرائيلي شمال الضفة الغربية    تركي آل الشيخ يتصدر قائمة "سبورتس إليستريتد" لأكثر الشخصيات تأثيرًا في الملاكمة    بسبب سرب من الطيور..تحطم طائرة ركاب أذربيجانية يودي بحياة العشرات    ميدان الفروسية بحائل يقيم حفل سباقه الخامس للموسم الحالي    تدشين أول مدرسة حكومية متخصصة في التقنية بالسعودية    "التخصصي" يتوج بجائزة التميز العالمي في إدارة المشاريع في مجال التقنية    "سعود الطبية" تعقد ورشة عمل تدريبية عن التدريب الواعي    عائلة عنايت تحتفل بزفاف نجلها عبدالله    الشر الممنهج في السجون السورية    الإحصاء: ارتفاع مساحة المحميات البرية والبحرية في المملكة لعام 2023    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد اتفاقية تاريخية لمكافحة الجرائم الإلكترونية    الشكر للقيادة للموافقة على تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    انخفاض معدلات الجريمة بالمملكة.. والثقة في الأمن 99.77 %    رغم ارتفاع الاحتياطي.. الجنيه المصري يتراجع لمستويات غير مسبوقة    إيداع مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر ديسمبر    السعودية واليمن.. «الفوز ولا غيره»    إعلان استضافة السعودية «خليجي 27».. غداً    أخضر رفع الأثقال يواصل تألقه في البطولة الآسيوية    القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي    أهلا بالعالم في السعودية (3-2)    العمل الحر.. يعزِّز الاقتصاد الوطني ويحفّز نمو سوق العمل    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    أمير الرياض ونائبه يعزيان في وفاة الحماد    أمير الرياض يستقبل سفير فرنسا    رئيس بلدية خميس مشيط: نقوم بصيانة ومعالجة أي ملاحظات على «جسر النعمان» بشكل فوري    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير تعليم الطائف ويدشن المتطوع الصغير    وافق على الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة.. مجلس الوزراء: تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائنًا مهددًا بالانقراض    تهديد بالقنابل لتأجيل الامتحانات في الهند    تقنية الواقع الافتراضي تجذب زوار جناح الإمارة في معرض وزارة الداخلية    لغتنا الجميلة وتحديات المستقبل    أترك مسافة كافية بينك وبين البشر    مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة    تزامناً مع دخول فصل الشتاء.. «عكاظ» ترصد صناعة الخيام    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    زوجان من البوسنة يُبشَّران بزيارة الحرمين    إطلاق ChatGPT في تطبيق واتساب    هل هز «سناب شات» عرش شعبية «X» ؟    القهوة والشاي يقللان خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق    القراءة للجنين    5 علامات تشير إلى «ارتباط قلق» لدى طفلك    أخطاء ألمانيا في مواجهة الإرهاب اليميني    الدوري قاهرهم    «عزوة» الحي !    استعراض خطط رفع الجاهزية والخطط التشغيلية لحج 1446    عبد المطلب    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    سيكلوجية السماح    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العراق: الحماية للصحافيين لا لنقابتهم
نشر في الحياة يوم 15 - 05 - 2011

لا شيء مشجعاً في مشروع قانون حماية الصحافيين في العراق المطروح على مجلس النواب للمصادقة عليه بعد جدال طويل عريض ما زال مستمراً منذ سنين (مجلس النواب أنجز القراءة الأولى للمشروع ويفترض أن يحسم موقفه منه في القراءة الثانية). ما إن تقرأ بداية المشروع حتى تنفر منه وتفقد شهيتك لقراءة البقية. فماذا يشجع على مواصلة القراءة إذا كان المشروع ينص في مطلعه على أن الصحافي هو كل من ينتمي الى نقابة الصحافيين؟
أي خير في قانون تنتهك مادته الأولى دستور البلاد الذي تنص مادته ال 39 على ما يأتي: «لا يجوز إجبار أحد على الانضمام الى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية، أو إجباره على الاستمرار في العضوية فيها». اللهم إلا إذا كان واضعو مشروع القانون والمروجون له، في مقدمهم طبعاً نقابة الصحافيين، يعتبرون أن الأمر لا ينطبق على المشروع طالما أن المادة الدستورية لم تقل صراحة «نقابة». في الأنظمة التوتاليتارية، كالاتحاد السوفياتي السابق، كانت لكل مهنة نقابة تخضع بالكامل للحزب الشيوعي الحاكم. والكاتب مثلاً لم يكن يُعترف به كاتباً ولو كان تولستوي نفسه ما لم يعترف به اتحاد الكتاب الرسمي ويقبله عضواً فيه. كذلك كان الأمر في عهد صدام حسين. فهل العراق عاد دولة توتاليتارية يُلزَم فيها من يمارس الصحافة أن ينتمي الى نقابة تحميها السلطة شرطاً كي يُعرّف بأنه صحافي؟
بداية تنبغي الإشارة إلى ضرورة وجود قوانين لحماية الصحافيين في الأنظمة الديموقراطية الدستورية والعراق طبعاً يطمح إلى أن يكون واحداً من هذه الأنظمة. لكن أول ما تحرص الأنظمة الديموقراطية عليه هو حماية الصحافيين من الدولة نفسها ومن إلزامهم الانتماء الى نقابة شرطاً لممارسة المهنة. في العراق تغيرت أمور كثيرة بعد إطاحة النظام السابق وقبل كل شيء هناك الآن نظام دستوري يمكن اعتباره ديموقراطياً برلمانياً، على رغم نواقصه التي يسعى كثيرون الى الحفاظ عليها، وأحياناً الى زيادتها، لمصالح ضيقة، حزبية أو طائفية أو دينية. النظام تغير وإدارة الحكم تغيرت والدستور تغير وفي ظله صار العراق يشهد عملية تبادل السلطة سلماً، وهي تكررت ثلاث مرات منذ إقراره في استفتاء شعبي في نهاية 2005 نتيجة لانتخابات برلمانية أجريت وفقاً لهذا الدستور.
الأمر الأصعب تغييره حتى من رفض مبدأ تداول السلطة سلماً هو تغيير العقلية، خصوصاً حين يتعلق الأمر بحرية الصحافة والنشر والحصول على المعلومة. فالسيطرة على وسائل الإعلام ظلت هاجساً لدى معظم السياسيين والحاكمين في العراق منذ حل فيه النظام الجديد في نيسان (أبريل) 2003. بعد إطاحة النظام السابق أشرفت وزارة الخارجية البريطانية باعتبارها تمثل الطرف الثاني الأكبر في سلطة التحالف الموقتة، على وضع قانون لتنظيم شؤون الإعلام، وبعد عمل دؤوب قام به فريق مهني تم وضع قانون لتأسيس شبكة الإعلام العراقية وصدر في صيغة الأمر الرقم 66 بتوقيع الحاكم المدني آنذاك الأميركي بول بريمر. القرار نص على أن «تعمل الهيئة العامة لخدمات البث والإرسال طبقاً لمبادئ الاستقلال والشمولية والتمييز، وعليها أن تعكس القيم الديموقراطية والاجتماعية والثقافية للمجتمع العراقي، وأن تسعى في جميع الأوقات الى أن تعكس بصورة معتدلة ومنصفة، التنوع الإقليمي والثقافي والسياسي للعراق ولشعب العراق».
القرار صدر في آذار (مارس) 2004 وتم اختيار عدد من الإعلاميين والخبراء أعضاء في مجلس أمناء. كان يفترض أن تمارس الهيئة سلطتها في شكل مستقل تماماً عن الحكومة. لكن سرعان ما تبين ان ذلك الهدف كان دونه خرط القتاد.
في حزيران (يوينو) 2004 انتهت مهمة سلطة التحالف وانتقلت الى حكومة عراقية رأسها زعيم حركة الوفاق الوطني الدكتور اياد علاوي ومعها أصبحت الهيئة العامة، كما هيئات كثيرة أخرى، مرتبطة به الى حين فك الارتباط بعد انتخاب مجلس للنواب وفقاً لدستور جديد. أول إجراء لعلاوي تجاه الهيئة تعيين قيادي في حزبه رئيساً لها مع ان القانون نص على ان اعضاء مجلس الأمناء ينتخبون الرئيس بأنفسهم. ووضع تحت تصرفه موازنة من بضعة ملايين من الدولارات، موجهاً بذلك ضربة قاضية لمشروع الإعلام المستقل. النتيجة كانت متوقعة إذ سرعان ما تحولت شبكة الإعلام الى بوق للحكومة، التي اعتبرت ان ذلك من حقها طالما انها تمولها، وهكذا تعاملت معها الحكومات اللاحقة وظلت كذلك حتى الآن.
المشكلة ليست في عقلية الحكم فقط، بل في «الرعية» التي هي في هذه الحالة نقابة الصحافيين. ليس المقصود هنا أفراداً بأنفسهم، بل العقلية المتمثلة في التفكير والسلوك وكليهما، عقلية الحكم وعقلية النقابة تتطابقان وأحدهما يكمل الآخر. الحكم يفكر بتهميش أي إعلام مستقل عبر عرضه الحماية للنقابة، والنقابة تفكر في المقابل بالحصول على الامتيازات والمنافع حين تقبل هذه الحماية. بالنسبة الى الحكومة توفر مثل هذه الصفقة تحويل الصحافة بوقاً دعائياً لها بذرائع معروفة في مقدمها «موضوعية» الإعلام، طبعاً تجاه الحكومة من دون غيرها، فيما النقابة تطلب في مقابل ذلك الاعتراف بها «الممثلة الشرعية الوحيدة» للصحافيين عبر إلزامهم الانتماء اليها، ملوحة لهم بالجزرة التي هي في الواقع في يد الحكومة: أراض ودور سكنية ومنح مالية وتخفيضات في أجور النقل والسفر والى غير ذلك. امتيازات يمكن قبولها اذا كانت في اطار منظومة للرفاه تشمل الجميع لا أن تشترط إلزام الصحافي الانتماء الى النقابة.
الخلاصة، أن تمرير مشروع قانون حماية الصحافيين المعروض على مجلس النواب العراقي في صياغته الحالية يعني استمرار عقلية النظام الشمولي ودق المسمار الأخير في نعش الإعلام المستقل. والسؤال هو هل توجد غالبية في مجلس النواب تفكر بعقلية عراق ما بعد صدام؟ الصحافيون سيكتشفون ذلك قريباً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.