أحرزت القوات النظامية السورية تقدّماً سريعاً في محافظة إدلب، المعقل الأكبر المتبقّي للمعارضة في البلاد، ما قرّبها من مطار أبو الظهور العسكري الذي تسيطر عليه الفصائل المسلحة، إلا أنّ هذا التقدم أدّى إلى تشريد عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يكافحون من أجل إيجاد مأوى في ظل ظروف مناخية صعبة، فيما تسببت المعارك في توقف عمل المنظمات الدولية. وتمكنت القوات النظامية مدعومةً بمسلحين تساندهم إيران وقوة جوية روسية، من استعادة مناطق شمال شرقي محافظة حماة، وجنوب محافظة إدلب منذ بدء الهجوم في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وفي هذا الإطار، أشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس، إلى أن القوات النظامية والجماعات المتحالفة معها شنت هجوماً مباغتاً ليل الجمعة- السبت أدى إلى سيطرتها على بلدتي اللويبدة الشرقية والناصرية في ريف إدلب، ليرتفع عدد البلدات التي سيطرت عليها منذ بدء عمليتها العسكرية في المنطقة إلى 87 بلدة. وصعّدت القوات النظامية خلال الأيام الماضية حملتها العسكرية وتقدمت نحو مطار أبو الظهور العسكري الذي حاصره مسلحو المعارضة عام 2012، قبل أن يتمكنوا من طرد النظام منه بالكامل في أيلول (سبتمبر) 2015. وفقد النظام السوري السيطرة على محافظة إدلب التي تقع على الحدود مع تركيا عندما سيطر مسلحو المعارضة على عاصمة المحافظة عام 2015، لتكون إدلب المحافظة الوحيدة في البلاد الخاضعة بالكامل لسيطرة المعارضة، فيما تعتبر «هيئة تحرير الشام» التي تقودها «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً) القوة المعارضة الرئيسة في المنطقة. وأوضح قيادي في تحالف عسكري يقاتل دعماً للنظام السوري أن «الجيش وحلفاءه يعتزمون السيطرة على المطار العسكري»، لافتاً إلى أن «جبهة النصرة وحلفاءها هدف العملية العسكرية في شمال شرقي حماة وفي جنوب شرقي إدلب». وذكر أن «عمليات الجيش مستمرة وتُحقق تقدماً كما تُكبد الإرهابيين خسائر كبيرة في المنطقة». وتقع إدلب ضمن مناطق «اتفاق خفض التوتر» الذي توصلت إليه محادثات آستانة في أيار (مايو) الماضي، كما توجد قوات تركية في شمال المحافظة، لكن المصدر العسكري قال إن «مناطق خفض التوتر، إذا وجِدت، لا تشمل أبداً جبهة النصرة التي تسيطر في الحقيقة على إدلب في شكل كامل». وفي موازاة ذلك، تتعرض «هيئة تحرير الشام» لهجوم أيضاً من مسلحي «داعش» الذين يوسعون سيطرتهم على جيب صغير في شمال شرقي حماة متاخم لجيب آخر في إدلب، حيث يحاول التنظيم توسيع نفوذه هناك بعدما طرِدَ من وسط البلاد في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي. في المقابل، سأل مدير الدفاع المدني (الخوذ البيض) في إدلب مصطفى الحاج يوسف: «أين هي مناطق خفض التوتر؟»، مضيفاً: «ثمة أعداد متزايدة من الشهداء والنازحين والجرحى وتهديم المنازل، وكذلك يزداد استهداف المدنيين بنسبة كبيرة جداً وكأنه لا خفض توتر أبداً». وقال يوسف إن الفارين من الضربات الجوية المكثفة والقصف على جبهات القتال يعانون من حملات جوية في عمق المحافظة، لافتاً إلى أن المنطقة لا تضمّ مخيمات كافية لاستيعاب تدفق النازحين. وحذّر من أن تقدم النظام ووصوله إلى مطار أبو الظهور سيؤديان إلى تضاعف حركة النزوح. في غضون ذلك، أعلنت الأممالمتحدة أنها تتلقى تقارير وصفتها ب «المزعجة» عن القتال المستمر والغارات على المدنيين» في المنطقة. وذكّر نائب الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق في تصريح من مقر المنظمة الدولية في نيويورك الأطراف كافة «بالتزامها حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات، وفق ما يقتضيه القانون الإنساني الدولي وشرعة حقوق الإنسان». وأعرب حق عن «قلق» المنظمة الدولية من تداعيات القتال على المدنيين شمال سورية، مشيراً إلى أنه «في الثالث من الشهر الجاري أفادت التقارير بأن غارات جوية أصابت قرية تل الطوقان في ريف إدلب، ما أدى إلى مقتل 5 أشخاص». وزاد أن «الغارات أدت إلى مقتل 5 أشخاص في بلدة معرة النعمان، الأربعاء الماضي ما أسفر عن توقف مستشفى الأمومة والأطفال عن العمل. وكانت هذه هي المرة الثالثة في أقل من أسبوع، التي تتعرض فيها المستشفى نتيجة للغارات الجوية». وتعتبر محافظة إدلب ملاذاً لعشرات الآلاف من مسلحي المعارضة والمدنيين الذين اضطروا لترك منازلهم في مناطق أخرى في غرب سورية استعادها النظام وحلفاؤه، كما استهدفتها غارات جوية روسية وسورية مكثفة قتلت آلافاً من المدنيين ودمّرت مستشفيات ومراكز للدفاع المدني. وتواجه المخيمات التي تستضيف بالفعل آلاف النازحين، صعوبات لاستيعاب مزيد من الوافدين. وأعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأممالمتحدة، أن المعارك والغارات الجوية أجبرت أكثر من 60 ألف شخص على مغادرة منازلهم منذ بداية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ورأت الأممالمتحدة أن وضع المدنيين المشرّدين أخيراً بسبب القتال في إدلب صعب، فيما تواجه وكالات الإغاثة صعوبات في تأمين احتياجاتهم. وقال الناطق باسم «المكتب الأممي» ينس لايركه إن 55 في المئة من التجمعات السكانية في المحافظة مثقلة بالأعباء، كما أن النازحين يشكلون غالبية عدد السكان في حوالى 10 في المئة من هذه التجمعات. وأشار إلى أن المعارك أجبرت بعض منظمات الإغاثة على وقف عملها في مناطق جنوب إدلب.