لم يكشف الكثير عن عملية قتل بن لادن، كما أن ثمة غموضاً وتضارباً في تصريحات المسؤولين حول طبيعة عملية القتل، بخلاف التشكيك في أن يكون بن لادن فعلاً هو من تم قتله، خصوصاً مع رفض الرئيس الأميركي نشر أي صور لبن لادن. لكن دعنا الآن نصدق مقتله وليكن ذلك منطلقاً لما سيأتي بعد من كلمات، صحيح أن بن لادن هو الأب الروحي لتنظيم «القاعدة» وهو الرمز والمثال والقدوة لكثيرين حول العالم يرون في أميركا ودول الغرب الشيطان الأعظم ويتصيدون تلك الدول من حين الى آخر بعبوة ناسفة أو عملية تفجيرية او انتحارية تزرع الرعب داخل نفوس أبناء هذه الدول بخلاف ما ينجم عنها من خسائر في الأرواح، لكن الصحيح أيضاً أن موت بن لادن لا يتعدى كونه فقداناً للرمز الذي تتجمع تحت لوائه فيالق «القاعدة» حول العالم، مات بن لادن الجسد... لكن بن لادن الفكر ما زال حياً، وتلك حقيقة تخشاها الولاياتالمتحدة أكثر من غيرها، فمن المحتمل أن تشن «القاعدة» في المستقبل القريب هجمات انتقامية لمقتل زعيمها. لكنّ ثمة سؤالاً آخر لا بد من طرحه، وهو: هل موت بن لادن يدعو إلى الفرح أم الى الحزن؟ بالتأكيد في الدول الغربية وأميركا هذا نصر عظيم يستحق الاحتفال وكلمة «الفرح» هي توصيف متواضع لحالة البهجة التي غمرت نفوس المواطنين هناك بمجرد إعلان نبأ مقتله، فمنذ سنوات طويلة لا يرى الناس هناك سوى جنودهم القتلى وهم عائدون من العراق ومن أفغانستان في توابيت تلفّها الأعلام، كان التشاؤم يسيطر على المزاج العام في تلك الدول، فشبح الحرب يؤثر بالسلب في الموازنة ويستنزف الكثير من الأموال، ولعل مقتل بن لادن يخفف قليلاً من النظرة التشاؤمية للحرب على الإرهاب، خصوصاً انه مع استمرار تلك الحرب استمرت العمليات الإرهابية ولم تتوقف. لكن بالنسبة الينا نحن العرب فموت بن لادن لم يكن له التأثير نفسه فينا، فالبعض أسعده هذا النبأ معتبراً ذلك سقوطاً لرأس شر الإرهاب في العالم، والبعض رأى في بن لادن شهيداً قتلته القوات الأميركية الآثمة، وآخرون رأوا أنه بطل ويستحق الحزن لوفاته، ولعل في إلقاء جثة بن لادن في البحر ما دفع الكثيرين إلى التعاطف مع بن لادن. حتى وإن تعاونت وتحالفت حكومات تلك الشعوب معها على مر عقود مضت وربما لعقود مقبلة، لكن على أية حال لا يمكن أياً منا أن يبرر حزنه أو فرحه بموت بن لادن في الشكل المقنع الذي يجعل الآخر يتوافق معه على رأيه، وسيظهر قادم الأيام ما كان يجب علينا أن نكون عليه من فرح أم حزن!