نزل الأربعاء الماضي الأطباء المقيمون وطلبة العلوم الطبية إلى الشارع بمآزرهم البيض للاعتصام أمام قصر رئاسة الجمهورية في منطقة المرادية في الجزائر العاصمة. إلا أن المعاملة التي لقوها من قوات الأمن المرابطة في المكان جعلتهم فجأة يقررون السير نحو «ساحة أول ماي»، حيث المستشفى الجامعي «مصطفى باشا»، خارقين بذلك حظر المسيرات في العاصمة الجزائرية. وتطلق تسمية «الأطباء المقيمين» في الجزائر على الأطباء الفائزين في مسابقات التخصص، حيث يمضون فترة تخصصهم في المستشفيات العمومية، وأدت مشكلة نقص الأطباء المتخصصين في المستشفيات الجزائرية إلى قيام هذه الفئة بمهمات التطبيب على رغم كونهم في فترة التكوين، وهو ما فسر توقف مصالح مختلف المستشفيات عن العمل عند قيامهم بالإضراب. ومع أنها لم تكن المرة الأولى، بل الثالثة التي يقوم فيها الأطباء المقيمون باعتصام أمام رئاسة الجمهورية، حيث تعوَّدوا على التجمع سلمياً ورفع شعارات ومطالب تخصهم ثم المغادرة، إلا أن قوات حفظ الأمن عاملت المحتجين هذه المرة بخشونة غير مسبوقة، وطردتهم من الأماكن التي كانت مجموعات صغيرة منهم واقفة فيها، كما حاولت دفعهم نحو الأرصفة لعزلهم. وقال أحد المحتجين إن رجال الأمن «قاموا بسحب بعض الأطباء الذين ردوا على استفزازهم ورموهم أرضاً»، متسائلاً: «هل هذه هي المعاملة والاعتراف الذي يستحقه الأطباء في بلادنا؟». وطالب الأطباء خلال تجمعهم بتحسين حالتهم الاجتماعية والمهنية وإلغاء نظام الخدمة المدنية التي تحتم على الطبيب المختص العمل في مناطق بعيدة لمدة تتراوح بين سنة وأربع سنوات في ظروف إقامة صعبة وبلا أدوات العمل الضرورية. غير أن مطالبهم لم تجد آذاناً صاغية من المسؤولين منذ بداية إضرابهم واحتجاجاتهم التي انطلقت في الأسابيع الماضية. ورفع الأطباء خلال احتجاجهم شعارات انتقدوا فيها تصرف قوات الأمن التي اعتبروها احتقاراً لهم، واستعمل منظمو الاحتجاج مكبرات الصوت للمطالبة بالإفراج عن زملائهم الموقوفين، فيما ردَّد بعض المحتجين هتافات تتضمن عزمهم على تقديم استقالات جماعية من العمل و «ترك الجمل بما حمل»، في إشارة إلى أهمية دورهم في تشغيل مختلف مصالح المستشفيات عبر الوطن. ويروي بعض الأطباء أن عناصر الأمن حجزوا الهواتف النقالة لدى زملائهم حتى يمنعوهم من تصوير الحادثة، وحجزوا كاميرا مصور إحدى الجرائد الوطنية، كما أوقفوا حوالى عشرة من المحتجين، قبل أن يطلقوا سراحهم ساعات بعد ذلك. وأجج ذلك من احتقان جموع المحتجين، الذين وصل عددهم الى ألف طبيب بحسب بعض المراقبين، فقرروا من دون سابق عزم أو تخطيط السير من المرادية نحو «ساحة أول ماي». وفاجأ قرار الأطباء قوات الأمن نفسها، التي أرادت دفعهم بعيداً من مبنى رئاسة الجمهورية، فوجدت نفسها أمام حالة خرق المسيرات المحظورة. وكان الأطباء والطلبة بدأوا بالتوجه بخطى متباطئة ما انفكت تتسارع نحو حزام الأمن، حتى تمكنوا من خرقه بعد ارتباك العناصر التي راحت تطارد المحتجين. وشيئاً فشيئاً تشكلت موجة بيضاء اتجهت من منطقة الغولف نحو «ساحة أول ماي» من دون أن تحاول قوات الأمن هذه المرة منعهم إذ بدا أنهم تلقوا تعليمات بذلك. أما الأطباء والطلبة، فقد دخلوا ساحة المستشفى الجامعي متسلحين بحماسة المنتصر، بعد أن «فعلوها» وتابعوا مسيرهم في العاصمة، التي مُنعت فيها المسيرات بموجب مرسوم رئاسي. وانتهت وقفة الأطباء في ساحة مستشفى «مصطفى باشا» بالاتفاق على اللقاء ثانية الأسبوع المقبل، من أجل إسماع صوتهم للمسؤولين حتى يستجيبوا لمطالبهم.