في مقالة حملت الكثير من الدلالات، نشر نائب الرئيس العراقي السابق وعضو اللجنة المركزية للمجلس الأعلي العراقي عادل عبدالمهدي مقالة في موقع ايراني أكد فيها عدم صواب اي جهد لاستبعاد رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي والائتلاف الذي يتزعمه «دولة القانون» بحجة إيجاد أكثرية سياسية من القوي التي تعارض تولي المالكي ولاية ثالثة، خصوصاً ان ائتلافه جاء في المرتبة الأولي في الانتخابات النيابية التي أجريت الشهر الماضي. وفي مقالة أخري سبقت الاعلان الرسمي لنتائج الانتخابات، أكد عبدالمهدي امكان تشكيل غالبية برلمانية من الكيانات البرلمانية التي تعارض الولاية الثالثة للمالكي (المجلس الأعلي بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدري بزعامة مقتدي الصدر، والقائمة العراقية بزعامة اياد علاوي والكردستانية بزعامة مسعود برزاني)، من أجل مواجهة ائتلاف «دولة القانون» الذي لم يطرح سوي خيار ولاية ثالثة لزعيمه نوري المالكي. ومن الواضح أن المقالتين تختلفان في المنطلقات، فالأولي توافقية مترجمة للغة الايرانية وفيها رسالة الي من يهمهم الأمر ان التكتل الشيعي لا يتجه الي استبعاد دولة القانون، في حين تحدثت الثانية - وهي منشورة في العراق - عن تهديد بإمكان التوصل إلى اتفاق يستبعد المالكي وائتلافه عن تأليف حكومة وطنية تتفق علي قاعدة معارضة المالكي لولاية ثالثة. ومن دون الدخول في دوافع المقالتين لعبد المهدي، يبدو من الواضح ان ائتلاف «دولة القانون» كان دائماً ينظّر لفكرة المعارضة النيابية، كما انه كان السبّاق إلى طرح فكرة الغالبية السياسية بديلاً من الغالبية التوافقية. واذا كان الدستور العراقي لا ينص على المحاصصة الطائفية ولا يتبني الديموقراطية التوافقية، فلماذ الاصرار علي التوزيع الطائفي الذي لم يكسب من خلاله العراقيون سوي المزيد من عدم الاستقرار طوال السنوات الثماني الاخيرة؟ أيقن رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي ان المحاصصة ومبدأ التوافق لا يمكنهما ان ينقذا العراق مما هو عليه، كما ان المعارضين له ومعهم مكونات الشعب العراقي ايضاً سئموا من المحاصصة الطائفية التي أبقت ساعة البلاد متوقفة طوال السنوات العشر الماضية. اليوم نحن أمام كارثة جديدة ليس بسبب التركيبة الجديدة لمجلس النواب، وانما بسبب التقسيم الذي تتحدث عنه أكثر من جهة، فالأكراد يطالبون بكونفيديرالية بدلاً من الفيديرالية وهي محطة قريبة من التقسيم والانفصال، ورئيس مجلس النواب اسامة النجيفي الذي يتزعم قائمة «متحدون» المصلاوية دعا الي اقليم نينوي، فيما تشير المصادر الي ان تشكيل اقليم نينوي سيدفع الي الاسراع في تشكيل اقليم البصرة. واذا سال لعاب المنطقة الغربية من العراق لتشكيل اقليم الانبار فإن ذلك سيؤدي من دون ترديد الي تشكيل اقليم الوسط. واذا كان كل ذلك سيتم من خلال أطر دستورية نص عليها الدستور العراقي، الا ان الواقع الذي يغرق في الطائفية والمذهبية والقومية والمناطقية يؤشر لأن هذه الاقاليم هي كانتونات سياسية وبؤر توتر مرشحة للانفصال والانقسام لأنها تبني علي هذا الاساس. وأمام هذا المنزلق الخطير، اذا كان التحالف الذي تحدث عنه عادل عبد المهدي قادراً علي تشكيل غالبية برلمانية مريحة تستطيع ان تنقذ العراق من الفراغ وان تبعده عن مقدمات التقسيم، فالاعتقاد السائد ان جميع هذه الكتل السياسية تتحمل مسؤولية تاريخية من اجل الحفاظ علي وحدة البلاد. تبقي مشكلة «دولة القانون» وزعيمها نوري المالكي، وإن كانت قد حصلت علي 95 مقعداً في الانتخابات النيابية الاخيرة، فإن المتبنيات السياسية لهذا الائتلاف تنسجم مع هذا البرنامج لأنه سيتصدي للعمل النيابي المعارض ويساهم في صنع حالة سياسية تنسجم مع تصوراته للعملية السياسية، خصوصاً اذا استطاعت الحكومة الجديدة اياً كان رئيسها استيعاب التوترات المسلحة في اكثر من منطقة بما يسمح ببداية صحيحة لاعمال التنمية والبناء في العراق الذي أنهكته حالات الفساد والرشاوي وقلة الخدمات المقدمة للمواطنين.