لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتوقّع فوزه في انتخابات الرئاسة ودخوله البيت الأبيض هذا العام. ويذكر مسؤولون كانوا في حملته ليلة الانتخابات العام الماضي، أنه كتب خطاب النصر فور إعلان النتائج، وتأخر في إلقائه بعد مراجعته مع مستشاره ستيفن ميلر. وانعكست مفاجأة ترامب في أدائه خلال سنته الأولى في الحكم وانهماكه في النصف الأول من عام 2017، بتعثّرات قضائية واستقالات في فريقه وفشل تشريعي في الكونغرس، فرض إعادة حسابات وتغييرات في الفريق إبّان النصف الثاني من العام. هذه التغييرات نجحت إلى حد ما في وقف انهيار معنوي وسياسي داخل الفريق، لكن لم تغيّر في شخصية ترامب الصدامية وغير المنضبطة، والتي تبقى السبب الأول في انتخابه وأيضاً في فشله في محطات أساسية. داخلياً، بدأت التعثرات مع قرار حظر السفر الذي أثار تظاهرات في مطارات وأسقطه القضاء الأميركي، إذ يميّز ضد المسلمين. ثم كانت استقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين في 13 شباط (فبراير)، وتفاعل تحقيق أجراه مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي أي) في شأن «تدخل» روسيا بانتخابات الرئاسة. وبعدما سحب وزير العدل جيف سيشنز يده من التحقيق، اختار ترامب طريق المواجهة وطرد مدير «أف بي أي» جيمس كومي، ما أدى إلى تفاقم أزمته بدلاً من حلّها، وتعيين روبرت مولر محققاً خاصاً بصلاحيات واسعة تفتح أمامه أبواب البيت الأبيض. تعيين مولر فاقم ضيق الصدر لدى ترامب ومن حال تشنّج في البيت الأبيض. وأدّت تسريبات يومية وصدامات في الفريق الرئاسي، سمعها صحافيون، إلى تغييرات جذرية في الفريق، خصوصاً بعد فشل جهود ترامب لإلغاء خطة الضمان الصحي التي أُقرّت خلال عهد سلفه باراك أوباما. وتلاحقت خلال الصيف استقالات مدير الفريق رينس بريبوس وأبرز المستشارين الاستراتيجيين ستيفن بانون ومساعدين بينهم سيباستيان غوركا. لكن تعيين الجنرال جون كيلي مديراً للفريق شكّل منعطفاً أساسياً في أدائه، مع تغيير في أسلوب ترامب ومنع زيارات عشوائية للمكتب البيضوي وجلسات الثرثرة التي كان يهواها الرئيس. وأوردت صحيفة «نيويورك تايمز» أن ترامب لا يزال يشاهد التلفزيون 4 ساعات يومياً، كما أن كيلي لم ينجح في وقفه عن التغريد على موقع «تويتر». لكن رسم استراتيجيات داخلية وخارجية للإدارة، والتواصل في شكل أفضل مع الكونغرس، بدآ يأخذان شكلاً عملياً مع كيلي. وساهم ذلك في تمرير قانون الإصلاح الضريبي نهاية العام، فبات أبرز إنجاز تشريعي لترامب هذا العام. مع ذلك، حاصر التحقيق في ملف روسيا الرئيس الأميركي، مع إخضاع المدير السابق لحملته بول مانافورت ومستشار سابق لإقامة جبرية، وإدانة مايكل فلين ومستشار آخر هو جورج بابادوبولوس، وإعلانهما تعاونهما مع المحققين. ويلاحق هذا الملف شخصيات قريبة من ترامب، بينها نجله دونالد جونيور وصهره جاريد كوشنر. ولم تساعد ترامب أيضاً ردة فعله على أحداث تشارلوتسفيل وتظاهرة العنصريين البيض، إذ لم ينتقدها. وتُظهر استطلاعات رأي أن 60 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن ترامب أجّج انقساماً عنصرياً في الولاياتالمتحدة، فيما تراجعت شعبيته إلى 35 في المئة. وأدت هذه الأرقام دوراً في خسارات انتخابية متلاحقة للجمهوريين، من نيوجيرسي إلى فيرجينيا إلى الجنوب الأميركي وألاباما. ويخشى الحزب أن يكون ذلك مؤشراً إلى خسارة محدقة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. خارجياً، حاول ترامب منذ بداية العام تمييز نفسه عن أوباما، من خلال انسحابه من اتفاقات شراكة مع دول في آسيا، ومن اتفاق باريس للمناخ، وامتناعه عن المصادقة على التزام إيران الاتفاق النووي المُبرم مع الدول الست، وتصعيده المواجهة مع كوريا الشمالية، ثم اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. أما على الأرض، فكانت هزيمة تنظيم «داعش» الإنجاز الأكبر للرئيس الأميركي، من دون أن يعني ذلك وضوحاً في استراتيجيته. كما نجحت الإدارة الجديدة في إصلاح العلاقات مع شركاء إقليميين، وفي زيارة ترامب المملكة العربية السعودية في أيار (مايو) الماضي، ولقائه قادة إقليميين في واشنطن. وتُطرَح أسئلة عن آلية صنع القرار في فريق ترامب في ظل خلاف بين أجنحة مختلفة في الإدارة، تتوزّع بين تيار وزيرَي الخارجية ريكس تيلرسون والدفاع وجيمس ماتيس، الأكثر اعتدالاً، وفريق البيت الأبيض والمندوبة لدى الأممالمتحدة نيكي هايلي، الأكثر تشدّداً. وأتت استراتيجية الأمن القومي التي أعلنتها الإدارة نهاية العام، لتؤكد أولويات جديدة تتمحور حول إيران والإرهاب، مع تراجع عملية السلام وعدم إقرار الوثيقة بحلّ الدولتين، وإشارتها في المقابل إلى الاستقرار وتعزيز الشراكات والدول الحليفة في المنطقة.