رشحت لجائزتين، الإخراج وجائزة التحكيم الخاصة في مهرجان البندقية قبل عامين، وعرفت بموقفها السياسي المناهض للسلطة الحالية في إيران، وتميزت خلال فترة المهرجان بمحاولاتها إظهار دعمها للإصلاحيين في إيران. شيرين نشأت التي تقيم في الولاياتالمتحدة، أهدت عملها «نساء بلا رجال» إلى «كل من كافح لتكون إيران بلداً حراً وديموقراطياً منذ الثورة الدستورية عام 1906 حتى الحركة الإصلاحية عام 2009». حاولت المخرجة، التي عرفت بأعمالها التصويرية واشتغالها على فن الفيديو، في عملها الروائي الأول هذا تسجيل أحداث الفترة التي تسلم فيها محمد مصدق رئاسة الحكومة في إيران عام 1953 وما صاحبها من مؤمرات لإسقاطه واغتياله. وفي موازاة هذا الجانب التوثيقي، روت مصائر أربع نساء عاصرن تلك المرحلة ووقعن في حبائل رجالها، من الجنرال إلى المتشدد مروراً بالمستغرِب الحبيب العائد لتوه من الولاياتالمتحدة الأميركية. لا تدين نشأت في فيلمها العقلية الذكورية التي تقهر المرأة فحسب، بل كل ما من شأنه قمع الحرية، حرية الوطن وحرية المواطن، المرأة في المقام الأول. الفيلم المأخوذ عن قصة للإيرانية شهرنوش باريزبور، انطلق من الوضع الاجتماعي السائد آنذاك في طهران عبر شخصياته النسائية الأربع، ليركز على أحداث فترة محددة من تاريخ إيران شابتها الاضطرابات السياسية والمؤامرات من قبل الاستخبارات الأميركية لإسقاط حكومة محمد مصدق الوطنية ولإعادة القرار للشاه حليف الغرب، طمعاً باستغلال ثروة البلاد النفطية. نجح الانقلاب وقمع الشاه الشعب ولا سيما حزب تودة الشيوعي، لكن القمع الذي يندد به الفيلم، في إسقاطات واضحة على الحاضر الإيراني، لم يقتصر على الجانب السياسي، فها هن النساء يعانين من اضطهاد آخر. حكايا نسائية عادية: تعاسة زوجة مع رجل عسكري لم تحبه يوماً، وإحباط فتاة قيدت إلى العهر رغماً عنها، وانتحار ثورية في سبيل الحرية، وخيبة شابة في حبها لرجل متذبذب الهوى يضع الاعتبارات الاجتماعية والدينية في المقام الأول. إنها حكايا نسائية وسياسية تجسد فترة مهمة من تاريخ إيران لم تتناولها السينما الإيرانية إلا فيما ندر. لكن السرد غير التقليدي للأحداث وجمال الصورة، أثّرا في عملية التوثيق التي سعت إليها هذه المخرجة الآتية من عالم التصوير، إذ على رغم غنى المضمون الحكائي بأحداثه وشخصياته فإن التركيز المفرط على جمالية «الصورة» ترك أثراً سلبياً، وكانت المشاهد - الصور تتعاقب لتبدو، بألوانها الباهتة، وكأنها من معرض صور تذكارية لعصر انقضى، أما أسلوب السرد السوريالي القائم على الخلط بين الواقع والخيال، بين الحدث والحلم بكل هلوساته، كوابيسه وجنانه، وامتزاج عالم الأموات مع الأحياء... فقد جاء متكلفاً، ومدعياً في محاولته توظيف الإرث الشعري والثقافي الإيراني لرسم واقع تاريخي وأحلام نساء وبالأحرى كوابيسهن. محاولة أثقلت الفيلم وكانت مدعاة للملل. «نساء بلا رجال» الذي يعرض حالياً في باريس، بصفته فيلماً إيرانياً، جل ممثليه من الإيرانيين (باستثناء أورسوليا توث إحدى البطلات) المقيمين في الخارج. وقد صور في المغرب لاستحالة تصويره في إيران، ليس لأنه يمثل عصر الشاه، فثمة أفلام قليلة ومسلسلات إيرانية عدة تصور وتعرض في إيران تمثل تلك الحقبة من تاريخها. لكن ثمة جوانب فنية وتقنية، إضافة إلى الجوانب السياسية التي قد لا تروق لبعضهم، لا يحبذ بعض المخرجين تجاهلها ومنها الزي. في «نساء بلا رجال» أرادت المخرجة لبطلاتها أن يمثلن واقعهن وزمانهن، واللباس كان عنصراً مهماً في تلك الفترة للدلالة على الانتماء الفكري والاجتماعي لصاحبته، وهكذا تجاور التشادور على أجساد البطلات جنباً إلى جنب مع الملابس العصرية، ومع الجسد العاري بالكامل. المخرجة فضلت استخدام كل ما اعتبرته لازماً لسيرورة فيلمها شكلاً ومضموناً من دون أدنى قيود، ولعل القيد الوحيد كان التزام المتفرج مقعدَه.