2017 عام مختلف بالنسبة إلى السعوديين، إذ شهد تحولات مختلفة على الأصعدة كافة عبر رؤية مختلفة وأسلوب عمل شجاع أرسى سعودية جديدة وجعل من العام محطة انطلاق، أسست لمرحلة جديدة نحو المستقبل، وبدأت ملامحها الآن في الظهور جليّة لا يقطعها شك أو تردد. قائمة طويلة من التحولات المتصلة بحياة السعوديين، وقرارات اقتصادية ضخمة، وقوانين مؤجلة لسنوات، وأحداث جسام وأحلام عظام كانت في لحطة ما مستبعدة، قبل أن تلوح في واقعهم «رؤية» نقلت كل هذه الآمال والتطلعات إلى خانة الممكن وسعت إلى التخطيط لتنفيذ ما يراه البعض «صعباً» وفي أحيان يصنفه في خانة «غير الممكن»، ولكن سرعان ما واكب المجتمع السعودي التحولات الضخمة وطواها في سيره نحو المستقبل بثقة أكبر، متسلحاً بطريقة عمل مختلفة تستوعب شروط الوصول إليه، والبقاء في حيز النجاح الذي عرفته السعودية وسعت نحوه واعتادت ألا ترتضي سواه. كل وصف إيجابي يمكن أن ينطبق على العام الميلادي، وكأنه سلة من الفرص المؤجلة التي حان وقت قطافها وتحصيلها، زمن المرأة والشباب والتقنية ومكافحة الفساد والسياحة والفن والاستثمار وريادة الأعمال، وقائمة تطول، وبنفس لا ينقطع من العناوين الكبيرة التي كانت تتوارى بخجل قبل أن تحين ساعة شجاعة تدفع بها إلى حيز الواقع. 365 يوماً لن ينساها جيل الشباب الذي يسيطر على جملة المجتمع وقد احتضنت كل هذه التحولات، بدءا بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، مروراً بترخيص إنشاء دور السينما، إلى توقيف أمراء ووزراء ومسؤولين بارزين، سابقين وحاليين، بتهم «الفساد» المالي والإداري، إلى الإعلان عن مشاريع استثمارية وسياحية كبرى، مثل، نيوم والقدية والعلا، فضلاً عن الضرائب وزيادة رسوم بعض الخدمات التي نفذ بعضها فيما ينتظرون قريباً تنفيذ البعض الآخر. بدأ العام بجولات دولية قام بها خادم الحرمين الشريفين لوجهات مختلفة هدفت إلى موازنة حضور السعودية في الأقطاب الدولية التقليدية وتلك التي بدأت تنمو بهدوء في آسيا وكانت أبرز زياراته نحو العاصمة الروسية موسكو لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلاً عن زيارة ماليزيا وإندونيسيا واليابان والصين والمالديف وجمهورية بروناي، إضافة إلى الأردن، وشهدت الزيارات توقيع العديد من الاتفاقات في مختلف المجالات. عهد الشباب بدا أكثر وضوحاً بعدما بايع السعوديون في حزيران (يونيو) من عام 2017 الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد خلفاً للأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ليواصل عمله في خوض غمار التحدي مع المستقبل متسلحاً ببحر من الشباب السعودي المتقد حماسة وكفاءة يحفهم بكلماته التي قال فيها: «أتطلع بتفاؤل إلى المستقبل الذي يصنعه الشباب السعودي». تزامن هذا مع خطة أكبر تستهدف توسيع دور الشباب في عمل الدولة منذ أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز قرارات ملكية قضت بتعيين أمراء ونواب أمراء وعدد من الوزراء والمسؤولين والسفراء من جيل الشباب، ساعد هذا في تسريع وتيرة العمل الحكومي لتخفيف من أعباء وتكاليف البطيء الذي كانت تتجه له تعاملات الدولة. ولأن المجتمع يسير بجناحين لبلوغ الغاية، كانت زيادة تمكين المرأة شرطاً ضرورياً لتحقيق شروط المرحلة الجديدة وقطف ثمارها ووجه الملك سلمان بن عبدالعزيز بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها حال تقديم الخدمات لها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وهي خطوة تتصل وبقية القرارات التي صدرت تباعاً إذ صدر أمر سامي تاريخي للمرأة السعودية ينص على السماح بإصدار رخص قيادة للسيارات للنساء في المملكة، وفتحت الهيئة العامة للرياضة المجال للعائلات السعودية للدخول إلى الملاعب الرياضية. تحدث كل هذه التحولات المحورية في ظل ما تواجهه السعودية وبقية الدول المصدرة للنفط من تحديات الأسعار المنخفضة فاختارت السعودية اتخاذ القرار الصعب الذي كان منتظراً بالنسبة للكثير من خبراء الاقتصاد وبدأت العمل لخفض اعتمادها على النفط كمورد وحيد لخزانة الدولة والبدء في تنويع مصادر الدخل وأطلقت المملكة خلال عام 2017 العديد من المشاريع التنموية الضخمة ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، مثل مشروع نيوم، ومشروع القدية كأكبر مدينة ترفيهية وثقافية ورياضية ومشروع البحر الأحمر، وفي سبيل ذلك أعادت المملكة إحياء التأشيرات السياحية لتنسجم مع متطلبات برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية 2030. ولضمان تحقيق نتائج اقتصادية ذات جدوى وخلف فضاء استثماري صحي وموات قررت السعودية خوض مواجهة شاملة في وجه الفساد وصدر أمر ملكي يقضي بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد بصلاحيات واسعة ونفذت اللجنة حملة توقيف كبرى شملت أمراء ووزراء ورجال أعمال لتورطهم بقضايا فساد كبرى. وبدأت سلسلة ضخمة من الإصلاحات الاقتصادية من شأنها أن تضع السعودية على خط السير باتجاه مستقبل أكثر تأهيلاً واستعداداً لطموحاته الكبيرة ووافق مجلس الوزراء السعودي على الاتفاق الموحد لضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية لدول مجلس التعاون الخليجي العربية، وبدأت المملكة العمل على خصخصة 10 قطاعات، وفق السياسات العامة التي أصدرها المركز الوطني للتخصيص. ولتخفيف وطأة هذه التحولات الطارئة وتخفيف أي آثار محتملة على المواطنين، أطلقت السعودية برنامج «حساب المواطن»، والذي بدأ في صرف المستحقات المالية للمستفيدين، إذ بلغت المبالغ التي تم إيداعها في الحسابات البنكية لمستحقي البرنامج بليوني ريال. لا ينفصل هذا عن المحيط السياسي الذي تعمل فيه السعودية إذ لم تثنيها التحولات الجذرية في الداخل عن مواصلة مشروعها لاستقرار المنطقة والحفاظ على حقوق العرب والمسلمين من مطلق مسؤوليتها التاريخية والمركزية ودشنت عهدها السياسي بخطوات أتسمت بالفاعلية والحركية المطلقة في المنطقة باستقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض في أول زيارة رسمية خارجية للرئيس الأميركي منذ تسلمه منصبه في كانون الثاني (يناير) الماضي. وعقدت خلال زيارته في الرياض ثلاث قمم، أرست ملامح عهد جديد تكون فيه السعودية رأس حربة في مواجهة كل تطرف وتجاوز يستهدف أمن المنطقة واستقرارها، الاولى، وهي القمة التشاورية الخليجية، وقمة خليجية - أميركية بين الرئيس الأميركي وقادة دول الخليج، وقمة عربية إسلامية - أمركية بحضور قادة 55 دولة عربية وإسلامية. لم تكن كل التحولات التي عايشتها السعودية خلال هذا العام المفصلي، حادة دائماً، إذ كان 2017 عام «هيئة الترفيه» بامتياز والتي استكملت عامها الأول بنجاح فكانت محل حديث واهتمام المجتمع في كل فعالية أو منصة تطلقها في روزنامتها الزاخرة بالأحداث إذ أعادة الهيئة إحياء المسارح السعودية بحفلات غنائية بعد توقف دام أكثر من 20 عاما، ونظمت العديد من الحفلات الغنائية لفنانين سعوديين وآخرين خليجيين وعرب في حفلات كبرى على مسارح المملكة في مختلف مناطقها. وعلى صعيد متصل، أعلنت وزارة الثقافة والإعلام السماح لبدء الترخيص لدور السينما في المملكة، وهو قرار احتفل به السعوديون كثيراً. فيما تأهل المنتخب السعودي لكرة القدم إلى نهائيات كأس العالم 2018 والمقامة في روسيا كأول منتخب عربي يتأهل للمونديال، واعتبر نجاحاً باكراً لهيئة الرياضة التي أصبحت منتجاً رئيسياً ومستقلاً للأحداث والتحولات في واقع السعوديين. وطوت موازنة السعودية التي تم إعلانها كأكبر موازنة في تاريخها بقيمة 978 بليون ريال.