قبل 22 عاماً تقريباً قال النائب الثاني لمجلس الوزراء، وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود: «إن حامل المسدس الذي يريد قتل إنسان ربما أعجزه ذلك وتمكن من الهرب وبالتالي النجاة من الموت، أما مروج المخدرات فهو لا يخطئ ضحاياه لأن فتكه محتوم لأنه يجعل الشباب أحياء أمواتاً وتتناول مخاطره جيلاً كاملاً». أقف لك احتراماً وتقديراً، إنه استشعار مسؤول لحجم مشكلة لم يكن وعي العامة آنذاك بأخطارها في مستوى إدراك المسؤول الأول عن أمن المملكة لما للمخدرات من أضرار ولما يترتب على انتشارها من مصائب، فبالوقوف على أبعاد مشكلة المخدرات نجد أنها ترويجياً وتعاطياً فرضت ذاتها من خلال الأبواب الخلفية للمجتمع، لتهدد أمنه وتبدد مصالحه وتعبث في سير حياته، في الوقت الذي تؤسس لمدرسة صراع حاضر في معظم الأسر، ولا تنحصر مناهجها عند حدود معينة، فمن العبث بصحة الإنسان وأمنه وإرباك المجتمع إلى نمط إجرامي بشع، يمدد خريطة الجريمة إلى كل الحدود، مغيراً في معالمها ليستولد الأمر فوضى تربك المجتمع والأجهزة المعينة بأمنه. فالمروّج يبحث عن الكسب المادي وقد انتفت منه السمة الإنسانية فلا يألو جهداً في طرق كل ما أمكن من الوسائل لتحقيق أهدافه أياً كانت النتائج، والمتعاطي تحت وطأة تيارات اشتياق شديدة القوة بالغة التأثير لمواد اعتاد نفسياً وجسمياً عليها، تقوده حال الرغبة الملحة إلى التعاطي إلى طرق الأبواب كافة بغية الحصول عليها من خلال أي الوسائل ممكنة وغير ممكنة، ولا يهتم بما يعترض سبيله، وهذه الحيثيات وغيرها استدعت المواجهة الحقيقية والمجابهة الشجاعة للتصدي لهذه الآفة المدمرة وحماية أبناء الوطن من شرورها المستطيرة، ونالت المملكة العربية السعودية التقدير العالمي لما تبذله من جهود في هذا الشأن الإنساني، وكشفت التقارير الدولية المنصفة أن وزارة الداخلية تمتلك جهازاً إدارياً قوياً على مستوى العالم أثبتت استراتيجيته العملية أن ثمة سياسات وإجراءات عمل فاعلة لمواجهة هذا الداء العصري الموسوم بالهلاك والدمار، الذي لا يفرّق بين ضحاياه ولا يعترف بالحدود السياسية أو الجغرافية، ذلك الداء الباعث للجريمة المؤسس للثقافة الإجرامية المتغيرة التي لم يتعود الإنسان عليها عبر العصور، ولكون محور الحديث محصوراً في الجانب العلاجي في هذا الشأن فإن المقام لا يتسع لاستعراض أضرار المخدرات وماهيتها علمياً، ولا يتسع أيضاً لإيضاح ما تبذله الدولة من جهود من الناحية العملية الميدانية ومن الناحية التشريعية والوقائية والعلاجية لمواجهة المخدرات، إلا أنني أدعو نفسي وكل الإخوان والأخوات من ذوي الاختصاص والمقدرة لإظهار هذه الجهود ووضعها في متناول أبناء الوطن، فجسامة الجهود وشموليتها تعكسان الوجه الحقيقي لحجم المشكلة والمخاطر المترتبة على وجودها ونموها، وتكشف بالتالي عن الضرورة الملحة لاستئصال هذا الداء من خلال تكاتف الجميع. وبتناول موضوع رعاية من وقعوا في براثن هذا الداء وأضحوا مدمنين نجد الصورة الحقيقية لشمولية الجهود، إذ تتجلى أجمل صور الإنسانية والعقلانية في صدور التوجيهات السامية عام 1403ه بإنشاء ثلاثة مستشفيات متخصصة لعلاج وتأهيل مرضى إدمان الكحول والمخدرات في ثلاث مدن، روعي في تسميتها البعد الجغرافي وبما يحقق وصول الخدمة إلى اكبر شريحة من المجتمع، وسُميت بمستشفيات الأمل وأسندت الشؤون التشغيلية في البداية إلى شركة وطنية ذات صيت وخبرة تستمد حضورها من وطنية المسؤولين عنها، وحددت الأدوار بين الجهات ذات العلاقة على ضوء جوانب المكافحة وما يتعلق بها أمنياً وجوانب الرعاية الصحية للمدمنين، وهذه المستشفيات تقدم خدماتها العلاجية وفقاً لبرنامج علاجي للإدمان من خلال المحور الوقائي والمحور العلاجي ومحور الرعاية المستمرة «اللاحقة»، ويشمل العلاجات الدوائية والنفسية والاجتماعية والدينية والإرشادية. وبعد فترة زمنية وتحديداً في أوائل عام 1999 وأواخر عام 1419ه تحولت العملية التشغيلية ذاتياً إلى وزارة الصحة منهية بذلك التشغيل الكامل لهذه المستشفيات من طريق القطاع الخاص، مؤسسة لنظام التشغيل الذاتي وكان لهذا التحول إفرازات لمست جسد الأداء وروح العاملين، وهي في نظر المتخصصين في مجال الإدارة الصحية نتاج صراعات وظيفية، وغموض وضبابية في الأدوار، كونه لم يرافق عملية التشغيل الذاتي سياسات وإجراءات عمل قوية تسنده في بادئ الأمر، إضافة إلى غياب الوصف الوظيفي وكذلك عدم وجود سلم رواتب للعاملين، وهذا ما سمح بالاجتهاد واستحدث اهتزازاً للأمن الوظيفي وغياب ثقافة نظام العمل المختلف في الأساس عن نظام الخدمة المدنية السائد في وزارة الصحة، إن هذه المستشفيات ربما تعاني من ازدواجية في تطبيق الأنظمة، وتحتاج إلى فصل الثنائية المتنافرة بين أنظمة العمل والخدمة المدنية، حفاظاً على حقوق العاملين، ويكفي أن وزارة الصحة تواجه وتكافح ازدواجية الأمراض، وازدواجية في الأنظمة التشغيلية بمنشآتها. السؤال: مَنْ يقوِّم التجربة؟ إذا وضعنا في الاعتبار أن مستشفيات الأمل متخصصة في إنتاج خدمات صحية محدودة لفئة معينة من الناس ولا تعتمد على التقنية الطبية المتقدمة كأحد العوامل المسببة لارتفاع كلفة الخدمات الصحية، كون هذا النوع من المستشفيات يحقق عدداً من الفوائد والمزايا من أهمها إمكان زيادة الخدمة وتحقيق الجودة وخفض الكلفة من جهة، ومن جهة أخرى فإن تغيراً في خريطة الإدمان الذي يعتمد على الأدوية الحديثة ذات التأثير الفعال والآثار الجانبية الأقل «العالية الكلفة»، وكذلك التعامل مع الأمراض النفسية الناشئة عن المواد الإدمانية المستدعية لطول أمد الإقامة للمريض بالمستشفى. [email protected]