عادت «الحرب على الإرهاب» المندلعة منذ نحو عشر سنوات بين التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة وتنظيم «القاعدة» الى الواجهة أمس، بإعلان الرئيس الأميركي باراك اوباما نجاح وحدة اميركية خاصة في قتل زعيم التنظيم اسامة بن لادن وأفراد من عائلته بعملية نفذتها في منطقة ابوت آباد القريبة من إسلام آباد. واعتبر اوباما ان قتل بن لادن حقق العدالة للضحايا الأبرياء لهجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001، فيما فتحت العملية نقاشاً واسعاً حول مستقبل تنظيم «القاعدة» في غياب مؤسسه، في وقت لم تتضح بالكامل ملابسات الهجوم على بن لادن كما لم يتضح مدى التعاون الباكستاني في ذلك. ووسط ترحيب دولي بالعملية «المنعطف» في «الحرب على الإرهاب»، كما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، هدد «جهاديو القاعدة» في العالم بالانتقام من «فاجعة» قتل «والدهم الروحي»، وكذلك هددت حركة «طالبان» المتحالفة معهم في افغانستانوباكستان، بالانتقام. وخرجت حركة «حماس» وبعض الأصوات في صفوف «الإخوان المسلمين» عن الإجماع بالترحيب بالعملية، فيما لم يصدر موقف واضح من طهران. و بقي مقتل بن لادن موضع شكوك «الجهاديين» الذين تحدثوا عن ان نشر وسائل اعلام باكستانية وأجنبية صورة قديمة لزعيم «القاعدة» تعود الى العام 2009، في وقت حرص مسؤولون اميركيون على تأكيد ان نتيجة فحص الحمض النووي لبن لادن تطابقت «بنسبة مئة في المئة» مع عينه اخذت من شقيقته لدى علاجها سابقاً في مستشفى في مدينة بوسطن الأميركية، وأن احدى زوجاته التي اعتقلت خلال العملية تعرفت عليه في موقع الحادث. وأثير جدل في العالم الإسلامي حول شرعية دفن جثة بن لادن في البحر، على رغم تأكيد مسؤول دفاعي اميركي ان مراسم دينية اجريت له قبل الدفن الذي برره مسؤول اميركي آخر بضرورة تفادي تحول مكان الدفن الى مزار ل «الجهاديين». وحرص الرئيس الأميركي، بعد اعلانه مقتل زعيم «القاعدة» بأسلوب مثير، على القول ان «العدالة تحققت»، علما ان العملية جاءت قبيل افتتاح المتحف الخاص باعتداءات 11 ايلول في نيويورك. وأكد اوباما ان العالم «سيصبح مكاناً افضل»، علماً ان العملية شكلت لحظة انتصار كبير، وستصبح علامة فارقة في التاريخ السياسي للرئيس الأميركي، ويمكن ان تعزز حظوظه بالفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة السنة 2012. وفي مواكبة احتفال الأميركيين العارم بمقتل بن لادن، خصوصاً في شوارع واشنطنونيويورك اللتين استهدفتهما اعتداءات 11 ايلول، اعلنت وزيرة الأمن الداخلي جانيت نابوليتانو ان لا خطر وشيكاً يهدد الولاياتالمتحدة حالياً. وطمأنت الى ان قوات الأمن الأميركية تبقى في حال يقظة مرتفعة، «لكن وزارة الأمن الداخلي لن توجه انذاراً جديداً، الا اذا تلقت معلومات محددة او قابلة للتصديق»، علماً ان اجراءات مشددة اتخذت عبر تعزيز دوريات الشرطة في المطارات والجسور ومحطات القطار، وفي موقع «مركز التجارة العالمي» الذي دُمر خلال اعتداءات 11 ايلول. ويبدو ان اسلوب العملية الخاصة الأميركية ضد بن لادن ومضمونها سيتركان بصمات لمدى طويل على العلاقة بين الولاياتالمتحدةوباكستان، إذ اعلن مسؤولون أميركيون أن تعقب الخيوط التي أوصلت الى مكان اقامة بن لادن في مجمع بمدينة ابوت آباد استغرق اربع سنوات، ونفذت العملية بعد كشف هوية ساعي بريد لبن لادن، من دون ان يعلم الا مسؤولون اميركيون قليلون بها، ومن دون بحث المعلومات مع جهات خارجية. وأشار بيتر برغن الخبير في شؤون الإرهاب الى أن وجود بن لادن على بعد 60 كيلومتراً شمال إسلام آباد وقربه من اكاديمية للجيش الباكستاني، سينعكس سلباً على صورة باكستان ومدى تعاونها في شؤون الإرهاب. لكن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون شددت على ان «تعاون باكستان ساعد الولاياتالمتحدة في الوصول الى مجمع بن لادن»، مؤكدة «التزام الولاياتالمتحدة بعلاقة المشاركة معها»، وداعية «طالبان» الى «التخلي عن القاعدة والمشاركة في عملية سياسية سلمية». وبالعودة الى مسرح العملية، تحدث سكان باكستانيون في مدينة ابوت آباد عن مشاركة الجيش الباكستاني في العملية، وأن جنوده أمروهم بعدم الخروج من منازلهم أو الفزع من سماع إطلاق الرصاص في المنطقة. وتحدث رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني إلى المبعوث الأميركي الخاص الى أفغانستانوباكستان، مارك غروسمان. وأكد أن العملية تمت بناء على التعاون الاستخباراتي الباكستاني مع واشنطن كما أكد الكلام نفسه المبعوث الأميركي الذي شدد على أهمية هذا التعاون واستمراره في ملاحقة «القاعدة». وفي اطار الردود العالمية أجمعت دول الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، على الإشادة بمقتل بن لادن، لكنها حذرت من ان ذلك «لا يعني نهاية القاعدة» أو القضاء على «آفة الإرهاب». واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مقتل بن لادن «منعطفاً في كفاحنا العالمي المشترك ضد الإرهاب»، كما رأت فيه اسرائيل «نصراً مدوياً».br / وبرز موقف نيودلهي، اذ رأى وزير الداخلية الهندي بي شيدمبرام ان مقتل بن لادن قرب إسلام آباد، يؤكد ان باكستان تُعتبر «ملاذاً» للإرهابيين. عربياً، أعربت المملكة العربية السعودية عن أملها بأن يعزّز مقتل بن لادن جهود «مكافحة الإرهاب وتفكيك خلاياه» في العالم، فيما برز تضارب صارخ في موقفي السلطة الفلسطينية وحركة «حماس»، اذ اعتبرت الأولى غيابه «مفيداً لقضية السلام»، فيما رأت فيها الثانية «جريمة وإرهاب دولة»، ووصفته بأنه «مجاهد». في طهران، شكّك رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى (البرلمان) علاء الدين بروجردي، في نبأ مقتل بن لادن، فيما اعتبر الناطق باسم الخارجية رامين مهمان برست ان قتله نزع من الولاياتالمتحدة وحلفائها «أي مبرر لنشر قوات في الشرق الأوسط، بحجة محاربة الإرهاب».