يقدّم كتاب «أقنعة ديكارت العقلانية تتساقط» (الهيئة العامة لقصور الثقافة/ سلسلة الفلسفة) للباحث محمد عثمان الخشت، مقاربة جديدة لفلسفة ديكارت، بحيث يسعى المؤلف إلى الصعود من الشرح النصي إلى التأويل الفلسفي، عبر قراءة المذهب في بنائه الداخلي، والوقوف على لحظات المنهج لتفحص مدى عقلانيته ولا عقلانيته، وتحليل الفضاء الموجود بين تلك اللحظات أو ورائها. وذلك من أجل الوصول إلى المعنى الباطني للمذهب والذي يتخفى وراء اللفظ الظاهري. أما منهجية المؤلف فليست قانعة بما هو منطوق به وحده، بل متطلعة إلى استنباط ما هو مسكوت عنه أو ما يعجز عنه نطاق القول بسبب المراوغة الأيديولوجية التي تريد التخفي تحت ثوب العقلانية الحديثة. في «إشكالية البحث»؛ يذهب المؤلف إلى أن رينيه ديكارت يدعي أن فلسفته هي فلسفة الوضوح والتميز؛ ما يعني أنها واضحة الدلالة ولا تحتمل أكثر من تفسير. ويرى الخشت أنه لو كان ذلك صحيحاً لما كان ديكارت مثيراً للجدل حول طبيعة موقفه الفلسفي في علاقته بالدين. أما تعدد التفسيرات وتباينها فهو أكبر دليل على أنّ النسق الديكارتي غير واضح، وأن منهجه يتسم بالغموض أحياناً، وعدم الصرامة المنطقية في أحيان أخرى، بل أن ثمة ثنائية في فلسفة ديكارت تكشف عن تناقضات في مواقفه. ولعلّ هذه السمة هي التي أدت إلى أن يكون منبعاً لمدرستين متباينتين في الفلسفة الحديثة. ويختتم المؤلف كتابه بأن الاشتباه في الفكر الديني عند ديكارت أدى إلى إعادة النظر في موقفه الفلسفي عموماً، ما أوصل إلى بيان أن منطق منهج ديكارت يبدو عقلانياً، أمّا حين ينظر المرء في ذلك، فسيجد أن ديكارت ناقض قواعد منهجه، فالمنطق الذي يحكم المذهب يبدو منطقاً غير عقلاني في كثير من الأحيان، بحيث نجد المفاهيم اللاهوتية حاضرة في بنية المذهب وتكوينه، إلى حد يمكن القول معه إن هذا المذهب محكوم بالمنطق اللاهوتي أكثر من كونه محكوماً بالمنطق العقلي.