فتحت أغنية المطرب محمد اسكندر الأخيرة «غرفة عمليات» باب النقاش على مصراعيه، حول حدود استخدام تعابير غير مألوفة في الأغنية العربية. فقد تجاوزت الأغنية مفهوم الغزل التشبيهي، لتصل إلى رسم تفاصيل عضوية، لطالما اعتبر التطرق إليها مقززاً. وإذا كان المقصود من الأغنية إظهار بشاعة عمليات التجميل والجمال الاصطناعي، فإن تعابير الذمّ لتلك العمليات الجراحية خرجت عن الاتفاق الضمني بين أذن المستمع ورسالة الغناء الاجتماعي، لتصل إلى جرأة غير معهودة في تجربة محمد اسكندر الغنائية. ومن المؤكد أن الموروث العربي من الشعر الغنائي، طوال مئة سنة، لم يتخطَّ تعابير الغزل الوصفية، حفاظاً على جمالية الشعر وتكريساً لنظرية الحب العذري... أي حب الهمس المجرّد عن اللمس! غير أن الأغنية الأخيرة، غاصت في اللمس والتحسس، لتنقل مشاعر الرجل بتفاصيلها حين يقترب من فتاة أحلامه. وفي عبارة «مش رح أرضى بتجميل يغيّر طعم بوستِك»، تصوير دقيق لمشاعر عاطفية لم يتناولها اسكندر من قبل، كما لم يتجرأ الفنانون على التصوير الحرفي لها، باستثناء الإشارة الرمزية لأنوثة المرأة ووقعها على الرجل. ويدرك اسكندر، وكاتب الأغنية نجله فارس، وملحنها سليم سلامة، أن سهام النقد ستطال الأغنية. غير أنهم يدافعون عنها كون «عمليات التجميل أصبحت ظاهرة واسعة النطاق، ويجب تناولها بطريقة نقدية تظهر بشاعتها». فكان الخيار اجتماعياً أولاً، وكانت الأغنية بمثابة نصيحة أبوية يوجهها اسكندر إلى الفتيات بقالب غزلي يعزف على وتر المتجمّلات. وتتوقف كلمات الأغنية عند مساوئ عمليات التجميل وأثرها السلبي، وعند الاتجاه النفسي للخاضعات لتلك العمليات عبر التطرق إلى مسألة الغيرة بين الفتيات. ومما لا شك فيه أن القضية تستحق الإضاءة عليها، لكن يبدو أنه غاب عن الشاعر فارس اسكندر، أن التصوير العضوي شعرياً، لا يلقى استحباباً في آذان مستمعي الشعر ومتلذذي الغناء. حتى أن الشاعر الراحل نزار قباني، تعرّض إلى انتقادات كثيرة حين وردت عبارة « فصّلتُ من جلد النساء عباءة، وبنيتُ أهراماً من الحلمات» في قصيدة «الرسم بالكلمات»، كون تلك الصورة تتضمن اجتثاثاً لأعضاء ومشهداً تطغى عليه الصور البيولوجية. في الشق الموسيقي، يبدو واضحاً أن أغنية «غرفة عمليات»، لا تختلف كثيراً عن تجربة محمد اسكندر الغنائية خلال العامين الأخيرين. فهي أغنية شعبية من ناحية الموسيقى، تحمل أبعاداً اجتماعية. وبناء عليه، فإن مقاييس الأغنية ناجحة لناحية الأداء والموسيقى، كونها تحفّز على الرقص، وتلتقي مع توجهات فئة عمرية تختار العنف وسيلة للدفاع عن الحب. وللمرة الثالثة على التوالي، يختار اسكندر تلك التعابير العنفوانية، فبعد استخدام مسدسه في أغنية «قولي بحبني»، ولجوئه إلى تدمير الشركة على رأس المدير في أغنية «جمهورية قلبي»... يتوعد الآن الطبيب بالقتل إذا أصيبت حبيبته بالرشح، فما بال المستمعين إذا أصيبت بعاهة نتيجة عمليات التجميل؟ ويبدو أن هذه التعابير باتت علامة فارقة في تجربة اسكندر، وأسّست لجماهيريته في أوساط فئة الشباب العمرية، ومهّدت لعودة صاروخية إلى الساحة الفنية بعد غياب سنوات.