يأتي الغناء لدى غسان بشير من مكان بعيد في القلب والوجدان تعبيراً عن مناخات يفتقدها الحالمون، المولعون بالمعنى الحقيقي للأشياء. المعنى الذي يصهر المكبوتات شجناً وبوحاً طالعاً نحو فضاءات لا يطيب له تصعيدها إلا حيث الآلات والمعازيف المشحونة بسحابات الوجد التي يطلقها العازفون مقطوعات موسيقية وأغنيات عاشت ولا تزال وستعيش الى آخر ما ينبغي لها. يختار بشير الأربعيني، في أولى اطلالاته مجموعة من أغنيات محمد عبدالوهاب التي شكلت منعطفات ومفاصل حقيقية في تجربة الرجل الذي قضى ما يناهز السبعين عاماً منكباً دؤوباً على البحث والتجريب. وهي صفات يضطلع بها المجددون المبدعون الشعراء والروائيون والسينمائيون. يقدم بشير فيه سهرته الطويلة بعنوان «فضاءات عبدالوهاب»، مساء غد في جامعة البلمند (شمال لبنان)، أغنية «سهرت» التي كانت وما زالت عقدة المغنين والعازفين لصعوبة أداء مقاماتها المتنقلة من السيكاه البلدي الى الراست الكبير الى التواتر. ولطالما شلّت هذه الحركة الرشيقة أنامل عازفيها لحساسية دوساتها ورهافة شجانها المحير الغريب. كما يؤدي بشير برفقة فرقة «أبعاد» أغنية «جفنه علم الغزل» التي ابتكر فيها عبدالوهاب ايقاع «الرومبا» مقطعاً كلماتها العربية الفصحى على روح النبض الغربي القديم. ثم اغنية «يا ورد مين يشتريك» التي كسر الاخطل الصغير فيها بنية البحر العربي المحكي بإدخال الشعر العربي الفصيح «شقت جيوب الغزل/ وانبح صوت القبل» من مقام العجم الكبير فالبياتي الطروب، ف «الصبا والجمال»، و«يا مسافر وحدك». ويستهل غسان أمسيته بأغنية «ما دام تحب بتنكر ليه» مباشرة بعد مقطوعة «ذكرياتي» وهما من أعمال القصبجي الذي تتلمذ عبدالوهاب على يديه بالعزف على العود. ثم أغنية «ختم الصبر» لفريد الاطرش الذي يبدو تأثره فيها بغناء محمد عبدالوهاب واضحاً. ثم «الهوى والشباب» شعر الاخطل الصغير، وأغنيتي محمد عبدالمطلب المتتلمذ على محمد عبدالوهاب «الناس المغرمين» و«ما بيسألش عليّ». إنه الشوق والحب والغنج والموسيقى والغناء العابق بالفرح والنشوات ستحلق في سماء «البلمند».