على رغم انقضاء أكثر من 5 سنوات على تعرضها للتحرش الجنسي من قبل رب العمل، لم تستطع سعاد (اسم مستعار)، نسيان ما حصل لها مراراً وتكراراً. تروي سعاد قصتها وهي في حالة نفسية تكاد تتشابه مع الحالة التي مرت بها وقت تعرضها للتحرش، لأنها تستذكر الحالة وليس الأحداث فقط. تقول سعاد إن «صاحب عملها السابق وهو بالأصل دكتور في جامعة يصر على الإمساك بيدها أو وضع ساعده على ظهرها كلما احتاجت لتوقيع ورقة أو إنجاز عمل ما». وتضيف سعاد أن تصرفاته في الغالب كانت مبررة بصفة أنه كبير بالعمر وبمقام الجد وأكثر من ذلك، و «ملتزم دينياً». لكنه في كل مرة تقوم بسحب يدها من يده أو تبتعد عنه وتبدي انزعاجها وكرهها يلاحظ الأمر لكنه لا يتوقف عنه. وتتابع سعاد حديثها ل»الحياة» قائلة إنها «البنت وإنها الحلقة الأضعف». وإن تكلمت أو تصرفت في أي شكل ملفت للانتباه سوف تكون هي الملامة، وتتحمل المسؤولية، لأسباب عدة كأن يتم التطرق سريعاً إلى موضوع اللباس أو التصرفات أو غير ذلك. والأسوأ من ذلك على ما تقول «هو الخوف من تشويه سمعتي بأقوال وأوصاف سوف يتناقلها المجتمع، لأنه سيروي السيناريو في شكل مختلف لأن ميزان القوة لصالحه». وتؤكد سعاد أنها تعرضت عدة مرات للتحرش وتحديداً اللفظي. أما الجسدي فمنه ما كان أقرب لمحاولة اغتصاب أكثر من مجرد تحرش، لافتة إلى أن «الوضع في البلد سيء جداً، لأن لا أحد يجرؤ على البوح أو كشف التحرش والسبب الأكبر الثقافة السائدة وقلة الوعي بمفهوم التحرش». غير أن سعاد تؤكد أنها تعرضت لحادثة تحرش لا يمكن نسيانها «كرهتني حالي وجسمي وكل شيء!» على ما تقول، وكانت لا تزال مراهقة. مضيفة: «نحن في مجتمع يقنع الفتاة إنها هي السبب والرجل ليس عليه حق». ووجهت سعاد نصائحها إلى الفتيات بأن لا يسكتن، وعليهن أن يدافعن عن أنفسهن لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستردع المتحرشين. وتجيب سعاد عند سؤالها عن المانع الذي حال دون تسجيل شكوى، بعدم ثقتها بالنظام في غالبية الأحوال ولكن عندما كانت صغيرة كان السبب الرئيس هو الخوف وعدم فهمها لما حصل. أما تسنيم (اسم مستعار) فترفض أن تتحدث عن تفاصيل الموقف الذي تعرضت له وترك ندبة سيئة في حياتها، ويذكرها بموقف سيء جداً. وتقول ل «الحياة» إنها تعرضت للتحرش اللفظي والجسدي عدة مرات لدرجة لا تستطيع حصرها برقم محدد. لكنها تتحدث عن أبرز تلك الحوادث حين كان التحرش يحدث من قبل سائق باص المدرسة وهي في عمر16 عاماً، إذ كانت هذه الحادثة غير متوقعة والأسواء أنها لم تعرف كيف تتصرف ولمن تلجأ. وحول تأثرها النفسي تؤكد تسنيم إنها تضررت كثيراً وأن أبرز ما نتج عن هذا الأمر هو علاقتها الشخصية بالرجال ومشكلات الثقة التي تشكلت لديها حيالهم. أبرز ما كان يدور بذهن تسنيم هو التساؤلات التي كانت تخطر في بالها حول كيف يتجرأ أحدهم أن يتعدى على الناس بهذه الطريقة، منبهةً الفتيات إلى أهمية عدم السكوت في حال تعرضن إلى تحرش لفظي أو جسدي قائلةً «سكوتك ما يفيدك! بتبليغك بتحمي حالك وبتحمي غيرك». وكانت جمعية معهد تضامن النساء الأردني «تضامن» دعت لتجريم التحرش الجنسي في قانون العقوبات في شكل واضح وصريح، كما دعت مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المدافعة عن حقوق النساء والأطفال في شكل خاص للعمل على تبني استراتيجية واضحة ومحددة الأهداف والوسائل لمكافحة التحرش الجنسي، وزيادة البرامج التوعوية والتثقيفية حول التحرش الجنسي بالنساء والفتيات والأطفال والاعتداءات الجنسية، والعمل على تسهيل وصولهن إلى مراكز تقديم الخدمات المسندة كالاستماع والإرشاد والمساعدة القانونية، ودعم برامج إشراك الرجال والشباب في مكافحة التحرش، وكما تدعو وسائل الإعلام إلى إبراز قضية التحرش الجنسي والأخطار التي تترتب عليه من النواحي النفسية والصحية بالنسبة للمتحرش بهن، والأخلاقية والتربوية بالنسبة للمتحرشين، والأسرية بالنسبة للمجتمع ككل. وتؤكد «تضامن» على أهمية تغيير النظرة المجتمعية للضحايا بحيث تتركز الإدانة على مرتكبي التحرش أو الاعتداءات الجنسية وليس على الضحايا، خاصة وأن هذه الإدانة المجتمعية المنحازة للذكور تمنع الضحايا من تقديم الشكاوى والتخلي عن ثقافة الصمت حماية لسمعتهن، مما يشجع المتحرشين على ارتكاب المزيد من الجرائم مستفيدين من خوف وصمت الضحايا. وتظهر دراسة أعدها الباحث في دراسات السلام والنزاعات، محمود الجندي وحملت عنوان: «التحرش الجنسي جريمة بلا دليل»، تعرض 53 في المئة من الأردنيات، للتحرش الجنسي بأنواعه المختلفة. وتلفت الدراسة إلى أن أكثر أنواع التحرش الجنسي شيوعاً هو «التحرش اللفظي»، يليه «التحرش بالنظر والإيماءات»، ثم «التحرش باللمس»، وأخيراً باستخدام وسائل الاتصال المختلفة. وسلطت الدراسة الضوء على ظاهرة التحرش الجنسي في الأردن، واستهدفت الدراسة عينة ممثلة من نساء المملكة من خمس محافظات أردنية. يشار إلى أنه في عام 2013 أجريت دراسة متخصصة حول التحرش الجنسي في أماكن العمل أعدها فريق بحثي من الجامعة الهاشمية لمصلحة برنامج دعم مبادرات تكافؤ الفرص التابع للوكالة الكندية للتنمية الدولية، وتبين من خلالها أن 14 في المئة من النساء العاملات في الأردن يتعرضن لتحرش جنسي لفظي في مكان عملهن، وأن 0.7 في المئة منهن يتعرضن لتحرش جنسي جسدي، و8 في المئة من النساء العاملات يتعرضن لعنف لفظي.