جاوزت أسعار الذهب حاجز 1500 دولار خلال الأسبوع الماضي مرتفعة بنسبة قاربت 34 في المئة عن مستواها قبل عام، وسجلت الفضة أعلى مستوياتها في 31 عاماً عند 47.1 دولاراً للأونصة، مقتربة من تسجيل مستواها التاريخي الذي بلغته في أوائل الثمانينات الميلادية عند 48.7 دولار للأونصة، وانكمشت أسواق الأسهم، وتقافزت أسعار السلع الحقيقية، ودب ما يشبه الرعب في الأسواق بسبب تقرير بسيط أصدرته مؤسسة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني خفضت فيه توقعاتها لتصنيف الدين الأميركي من مستقر إلى سلبي، ما قد يؤدي إلى فقد أميركا تصنيفها الائتماني الممتاز «AAA» خلال العامين المقبلين، إذا لم يتمكن الحزبان الجمهوري والديموقراطي من الاتفاق حول حلٍّ لأزمة العجز في الموازنة، وتشرع الحكومة في تنفيذه قبل حلول عام 2013. ولسمعة «ستاندرد آند بورز» جاء تقريرها متصدراً نشرات الأخبار وعناوين كبريات الصحف، وإلا فإن وكالة التقويم الصينية «داغونغ» سبق وأن خفضت تقويم أميركا الائتماني في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي من «AA» إلى «A+» ، ولكنه تقويم لم يعتد به في الأسواق العالمية، نتيجة ضعف سمعة الوكالة التي أصدرته. ولكن ماذا يعني هذا للعالم؟ وكيف سيتأثر الاقتصاد العالمي بخفض تصنيف أميركا؟ الإجابة بالتأكيد ليست سهلة، فأول ما يعنيه خفض التصنيف الائتماني لدولة ما هو أن قدرة الدولة على السداد ليست مضمونة، وبالتالي فإن كلفة اقتراض هذه الدولة لابد أن ترتفع، وربما وصلت إلى حال من السوء أن لا أحد يثق في قدرتها المالية، وبالتالي فلن يقرضها أحد، وهو ما يضطر الدولة لإعلان إفلاسها وطلب مساعدة وتدخل الدول الأخرى كما حصل في حالة اليونان وأيرلندا وغيرهما، وهو أمر مستبعد أن يحدث في أميركا. ولذا فإن تأثير التقرير سيقتصر فقط في حال أميركا على الحد من قدرة الحكومة على رفع سقف الدين عن مستواه الحالي عند 14.3 تريليون دولار، وهي الخطة التي ستطرحها إدارة أوباما للتصويت في الكونغرس منتصف الشهر المقبل، كما أن التقرير سيصرف نظر الحكومة عن خطة «تيسير كمّي» جديدة أو ثالثة، وهو أمر يدور الحديث عنه في الأروقة الاقتصادية قبل صدور التقرير، فالأنباء تؤكد أن هناك خطة فعلية لتحفيز الاقتصاد عن طريق «تيسير كمي» أو ما يسمى QE3، بعد انتهاء فترة التيسير الثاني التي بدأت في آب (أغسطس) الماضي وتنتهي بنهاية حزيران (يونيو) المقبل. الأرقام المعلن عنها حالياً تقول إن ديون أميركا من السندات وأذونات الخزانة التي أصدرها الاحتياطي الفيديرالي تبلغ داخلياً 8.4 تريليون دولار، فيما يحتفظ المستثمرون الأجانب بسندات تبلغ قيمتها 4.4 تريليون دولار (حصة الصين منها 1.2 تريليون دولار)، ومجموعهما 12.8 تريليون دولار، ما يعني أن هناك قدرة للاقتراض حالياً بمقدار 1.5 تريليون دولار، ستكون كافية إذا ما رفضت خطة زيادة سقف المديونية في أيار (مايو) المقبل. الخلاصة أن تحذير ستاندرد آند بورز سيلغي كل خطط التوسّع في المديونية وإصدار السندات، ولكنه لن يؤثر في الاقتصاد الأميركي الذي يعاود انتعاشه حالياً، وإن كان تسبب في حال من الخوف والذعر رفعت أسعار الذهب والفضة والنفط، ولكنها ستكون لفترة محدودة. ولعل أغرب التحليلات عن سبب ارتفاع الذهب والفضة إلى مستويات تاريخية، هو ما ذكره المحلل الدولي والاقتصادي السابق لمجلة «الأيكونوميست» بيل إمووت، في عموده الذي تنشره «التايمز» اللندنية كل (اثنين). ففي مقالته (الإثنين) الماضي عزا إمووت ارتفاع أسعار الذهب والفضة إلى أحداث الشارع العربي وما يحدث في الشرق الأوسط عموماً، وليس إلى تقرير ستاندرد آند بورز، ولا لانخفاض الدولار، ولا لارتفاع التضخم. وقال: «نعتقد نحن الغربيون أن العالم يدور حولنا فقط، ونحب أن نعزو كل شيء إلى مايحدث عندنا». وأضاف أن «أرقام التضخم في أميركا لم تجاوز 2.7 في المئة في آذار (مارس) الماضي، ومثلها في أوروبا، وبلغت أعلى حالاتها في الصين عند 5.4 في المئة، وفي الهند 8.8 في المئة، وهي أرقام بكل الحالات لا تبرر لأونصة الذهب مستوى 1500 دولار، ولا ارتفاعاً بنسبة 150 في المئة لسعر الفضة خلال عام فقط». ويختم بعد تأكيده وجوب النظر خارج دائرة الغرب لبحث السبب، أن السبب الحقيقي للارتفاع يأتي من شمال أفريقيا والشرق الأوسط ليقول: «الأحداث التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وبلدان العرب خصوصاً هي ما جعلت الناس تستبدل استثماراتها بعملات هذه البلدان المحلية بشيء يحفظ قيمته الحقيقية، ويمكن تسييله وإخفاؤه عن المصادرة، وليس ذلك سوى الذهب والفضة». ورأي إمووت له وجاهته، ولكن لا يمكن الركون إليه كسبب أساس لارتفاع أسعار المعدنيين بسبب غياب الإحصاءات أولاً، ثم بسبب ضعف الدخول والاستثمارات في بلداننا العربية إذا ما استثنينا دول الخليج، وبالتالي فلا يمكن تصديق أن شراء العرب للذهب يمكن أن يرفع سعره إلى مستوىً لم يشهده العالم من قبل. * اقتصادي سعودي - بريطانيا. www.rubbian.com