أكد الشاعر عماد قطري أن النقاد الشرفاء أصبحوا قلة، وسط سيل الزيف النقدي المدفوع القيمة والخاضع للمجاملات والعلاقات الشخصية والشللية، مشيراً إلى أن المبدع الحقيقي يشق طريقه بجهده الشخصي ويطرق الأبواب. وقال في حوار ل«الحياة» إنه في حالات قليلة تدعم المؤسسات مثقفيها كبعض الأندية الأدبية الفاعلة بالمملكة، مثل نادي الرياض الأدبي، مضيفاً أنه ومنذ عقدين من الزمان لا ينضوي تحت لواء مؤسسة ثقافية رسمية في عملية النشر. إلى تفاصيل الحوار: عماد قطري شاعر وكاتب مسرحي... أين تجد نفسك بين هذين المفترقين؟ - المسرح الشعري الذي أكتبه هو ابن بار للقصيدة الشعرية المعاصرة التي تطوع داخلها كل الفنون الحديثة، سواء البصري منها أم الإبداعي المنتمي إلى الحرف الشعري، ولعل تلك التجربة المسرحية المتمثلة في مسرحياتي الشعرية، بما فيها من دراما وأحداث واستدعاء للموروث السياسي والاجتماعي، تكون امتداداً للتجربة الشعرية المعاصرة المنتمية إلى الواقع المعاش. ولم أشعر بتباين أو اختلاف جلي بين الشعر والمسرح. فمهما اختلفت التجربة الكتابية في الفنين تجد قاسماً مشتركاً بينهما يتمثل على الأقل في اشتراكهما في الشعرية والدراما. تجربة المسرح الشعري جاءت بعد إحجام الكثير من الشعراء على خوض غمار التجربة وندرة النصوص المسرحية المكتوبة شعراً، فبعد جيل الرواد المتمثل في شوقي وعزيز ومن جايلهما ثم تجربة تيار الوسط المتمثلة في تجربة صلاح عبدالصبور ورواد قصيدة التفعيلة، الذين دخلوا هذا المضمار لا تجد بعد الجيلين إلا تجارب قليلة مميزة لفاروق جويدة وحسين على محمد ووديع فلسطين وغيرهم. أصدرت في عام 2010 دواوينك الشعرية «بعض ما قالت العارية» و«تلك الدار» و« ترانيم عشق» حدثنا عن تجربتك الشعرية؟ - تمتد التجربة عشرين عاماً من نهاية الثمانينات الميلادية من القرن الماضي حتى الآن، وكانت البداية مع صدور ديواني الأول «عذراً سراييفو» عن دار الوفاء للنشر والتوزيع ثم تلاه ديواني الثاني «يا نيل» عن الدار نفسها ثم مسرحيتي الشعرية الأولى «المحاكمة... يحدث في غزة وأريحا الآن» والتي تعرضت لاتفاقات الخنوع والاستسلام العربي وكتبتها قبل الانشقاق الفلسطيني، ولعل من المفارقات الغريبة أن في المسرحية توقعت انشقاقاً حاداً في المجتمع الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس وتوقعت في النص المسرحي اقتتالهما وتقاتلا بالفعل في الواقع كما تعرف، وكان ذلك قبل سنوات بعيدة من حدوث الفرقة الفلسطينية وما ترتب عليها من أحداث بعد ذلك صدر ديواني «ما بيننا» عن سلسلة أصوات معاصرة ثم تلاه ديواني «العصافير» عن سلسلة الفوارس ثم تلاه ديواني «عشر نساء يجئن خلف العاصفة» عن مركز المحروسة للنشر، ثم تلته مسرحيتي الشعرية الثانية «وجع المنافي»، التي استدعيت فيها أمير الشعراء الملك الضليل امرئ القيس بن حجر الكندي ليس بصفته الشاعر العملاق، بل بصفته كأول عربي يلجأ للغرب مستعدياً ومستقوياً به على العرب ثم أعقب المسرحية ديواني «بعض ما قالت العارية» وهو الجزء الأول من التغريبة السيناوية الواقعة في ثلاثة أجزاء تلاه الجزء الثاني من ديوان «تلك الدار»، وتحت الطبع الجزء الثالث من التغريبة بعنوان «مدن البعاد» ثم تبعه ديوان «ترانيم عشق» الذي افتتحت به النشر في الجانب العاطفي والوجداني، ثم تلاه ديواني «لعينيك أشدو» وصدر معه ديواني «ثورة التحرير» كأول ديوان شعر يرصد ويؤرخ ويستشرف آفاق ثورة 25 يناير. عضو اتحاد كتاب مصر وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية... ماذا قدمتِ المؤسساتُ الثقافيةُ العربيةُ للثقافة؟ - المؤسسات الثقافية العربية هي جزء من الراهن العربي المتأزم والواهن، وللأسف لم تقدم تلك المؤسسات شيئاً ذا قيمة للمبدع العربي، غالبها مؤسسات ورقية لم تخرج من نطاق المكاتب والتنظير إلى فضاء الإبداع وهموم المبدعين. هذا للأسف الشديد هو حال غالب تلك المؤسسات مع وجود استثناءات بسيطة تؤكد القاعدة، وعلى المستوى الشخصي لم أستفد من هذه العضوية بشيء مؤثر، سوى حضور بعض الندوات والمؤتمرات. علماً بأن تلك المؤسسات لا تصنع أدباً ولا تشجع أديباً ووجودها ليس بهذا القدر المؤثر في مسيرة إبداع أو حياة مبدعين ويبقى على المبدع كل العبء في صقل ذاته والاعتناء بتجربته فإن قدمت تلك المؤسسات شيئا فبها ونعمت وإن لم تقدم شيئاً فلا ننتظر منها أكثر من عجزها. هل على المثقف العربي أن يكون ضمن مؤسسة ثقافية ليكون حاضراً ومؤثراً؟ - في حالات قليلة تدعم المؤسسات مثقفيها كبعض الأندية الأدبية الفاعلة بالمملكة مثل نادي الرياض الأدبي، أما في مصر فالوضع الثقافي الراهن في غاية السوء، فالهيئة المصرية العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة وما يتبعهما من مؤسسات كلها تخضع للمحسوبية والوساطة والعلاقات الشخصية والفساد، في هذه المؤسسات مستشر حتى النخاع وزكمت رائحته الكريهة الأنوف حتى اتحاد الكتاب الذي أحمل عضويته لم يقدم شيئاً ذا بال للمبدع المصري. المبدع الحق يشق طريقه بجهده الشخصي ويشاكس ويطرق الأبواب ويسعى ويدعمه النقد الجاد من نقاد جادين، وللأسف هؤلاء النقاد الشرفاء صاروا قلة وسط سيل الزيف النقدي المدفوع القيمة والخاضع للمجاملات والعلاقات الشخصية والشللية. أما تلك المؤسسات الصورية الهشة فالبراءة منها واجبة وآليت على نفسي منذ عقدين من الزمان ألا أنضوي تحت لواء مؤسسة ثقافية رسمية في عملية النشر. أسست سلسلة الفوارس الثقافية... كيف بدأت الفكرة وأين تقف الآن؟ - بدأت الفكرة قبل خمسة أعوام في القاهرة وقت أن أغلقت المؤسسات الثقافية الرسمية أبوابها في وجه المبدعين، واكْتفتْ بمن تعرف من منافقيها وأشباه الأدباء والمتسلقين، وقصرت النشر على موظفيها ومن لهم علاقات مع السلطة وفي حالات بسيطة نشرت لمبدعين كبار لكن تعمدت تجاهل اتجاهات بعينها، فتأخذ منك ديوانك ويدخل قائمة انتظار طويلة تطول وتقصر بحسب علاقاتك ومن يدعمك وتمتد هذه القائمة لأعوام وصلت عقداً من الزمان. كانت البداية مع الشاعر حاتم عبدالهادي شاعر سيناء الكبير ثم نشرنا للشاعر عاطف الجندي، الذي ما زال أحد دواوينه «سفر التحريض» ينتظر دوره في الوزارة من تسعة أعوام، ونشرنا للقاص نجاتي عبدالقادر والقاص رضا الأشرم والشاعر نبيه القرشومي، وتحت الطبع مسرحية شعرية للشاعرة الكبيرة صفاء البيلي وديوان للشاعر الجنوبي الكبير عزت الطيري، والقائمة ممتدة لتشمل كل المبدعين المغضوب عليهم. وهذه السلسلة أقوم بدعمها والصرف عليها من راتبي ومالي الخاص، وهي نواة لمشروع ثقافي كبير أحضّر له حالياً ليكون مركزا للعناية بالإبداع والمبدعين والثقافة والتراث، وبصدد استخراج التصاريح اللازمة لذلك المركز الثقافي. بين ديوانيك «لعينيك أشدو» و«ثورة التحرير» الصادرين في عام 2011 هناك فاصل شعري وسياسي تاريخي... ما المسافة بين هذين العملين؟ - «لعينيك أشدو» ديوان عاطفي يدور في فلك العشق والعشاق والمشاعر الإنسانية النبيلة، وهو تجربة مغايرة للسائد في شعر الحب والعشق والاحتفاء بالمرأة كحبيبة وأنثى تحتاج إلى خطاب رقيق في زمن القسوة والجفاف، أما ديواني «ثورة التحرير» فهو أول ديوان عن ثورتنا المصرية الرائعة، ورصدت فيه يوميات الثورة وأحداثها المتلاحقة وكنت أكتب يومياً للميدان أكثر من نص عن الثورة والثوار والشهداء، وكتبت البيان الأول للثورة ورثيت الشهداء وهو تجربة في أدب الثورة. هذا الأدب الذي سيفرض نفسه بقوة على الساحة الأدبية فما حدث جدير بأن يفرز أدباً عظيماً بحجم هذه الثورة النبيلة.