«حلّابة» اسم مهنة تحاط بكثير من الملابسات والمطالبات، فربما واجهت من تتصدى لتلك المهنة ضغوطاً مجتمعية يترتب عليها الإقصاء والحرمان من الزواج، ومعوقات وظيفية من مشقة في العمل وقلة في الإجازات وتدنٍ في الراتب والخضوع لشروط عدم الزواج ووزن وطول معينين، ما حدا بعدد من الحلابات إلى مطالبة المسؤولين بالنظر في لوائح الإجازات والرواتب، خصوصاً إجازة فترة العيد ورمضان التي يحرمن منها على خلاف بقية المؤسسات والشركات. وقالت إحدى الحلابات (فضلت عدم ذكر اسمها): «لم تنطبق الشروط التي فرضتها الشركة للالتحاق بمهنة «حلابة» على أختي أثناء المقابلة الشخصية، لكونها متزوجة وتعارض طولها ووزنها مع وزن 70 كغم وطول 160 سم اللذين افترضتهما الشركة، ما دفعني إلى السعي للحصول على لقمة شريفة من شأنها سد رمق جوع أفراد أسرتي بعد تطابق شروطهم مع مواصفاتي». وتحدثت مشغلة الآلات (حلابة أخرى) لم تتجاوز العقد الثاني من العمر (تحتفظ «الحياة» باسمها): «احتضنتني شركة الألبان وبادرت بتوظيفي ضمن طاقمها النسائي الذي لا يتعدى سبع حلابات، في وقت أغلقت فيه جل القطاعات الحكومية أبوابها في وجهي»، وعن طبيعة العمل، أضافت: «على رغم أن تركيب أجهزة الحلابة الإلكترونية الثقيلة في العضو المخصص للأبقار والتحكم بالأزرة الخاصة بها من جهة والشروع في حلب ما لا يقل عن 1400 بقرة في اليوم مع بقية العاملات، تسبب في إعيائي وإنهاك عضلات جسدي في الأسابيع الأولى، إلا أن اعتيادي على طبيعة العمل الشاقة سرع من أدائي وقلص من آلامي». وعن آلية العمل، قالت: «قبل عملية تركيب جهاز الحلب للبقرة، أعمد إلى فحص ثديها المهيأ للحلب بداية، فإذا كان حليبه يميل للصفرة أو الحمرة، فهذا يدل على أن البقرة مريضة، فأتجاهل حلبها وفقاً لما تراه المدربة المهندسة المتخصصة في الإنتاج الحيواني، أما البقية الصالحة للحلب فأقوم بتعقيم أثدائها بمادة اليود أولاً ثم أركب أجهزة الحلب عليها وأشغلها». وذكرت عاملة أخرى في العقد الثالث من عمرها أن دين والدها الطاعن في السن أجبرها على خوض تجربة الحلابة، رغم عادات وتقاليد بيئتها، ما وضعها في القائمة السوداء وحرمها من الزواج. وأضافت: «نبدأ دوامنا من الساعة السابعة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، ونأخذ ساعة راحة لتناول الغداء، ولنا يوم إجازة في الأسبوع، ونستمر في العمل في موسمي رمضان والعيد بلا إجازة». من جهته، أوضح مصدر مطلع في إدارة شركة عاملة في هذا المجال (تحتفظ «الحياة» باسمها) أن اشتراط الشركة عاملة غير متزوجة تتمتع بطول لا يقل عن 160 سم ووزن لا يزيد على 70 كغم بسبب أن أجهزة الحلب وأزرتها الخاصة تحتاج لتلك المواصفات، كما أن تحريك الأجهزة وتركيبها يتطلب خفة وسرعة، ولكثرة ارتباط المرأة المتزوجة. وأضاف ل«الحياة» أن راتب الحلابة 2600 ريال مع بدل النقل والسكن، في حين تصل في شهر رمضان والعيد إلى 3000 ريال، وأن افتقار الشركات إلى عدد من المتخصصات السعوديات في الإنتاج الحيواني اضطر الشركة إلى استقدام مهندسات زراعيات بمهنة مدربات. ولفت مصدر مسؤول عن الحلابات إلى أنه في أول أسبوعين يتم تدريب العاملة المستجدة على حلب مجموعات مكونة كل واحدة منها من ثلاث بقرات فقط، وبعد انتهاء فترة التدريب المفترضة، تقوم العاملة بحلب مجموعات متتالية مكونة كل واحدة منها من سبع بقرات، مشيراً إلى أن 1400 بقرة هي حصيلة حلب العاملات يومياً، وأن عملية الحلب تكون داخل صالات مؤهلة ومهيأة ومكيفة، وأن فترات الحلب بشكل عام تتم كل ثماني ساعات يومياً. من جانبه، أكد رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية الدكتور عبدالرزاق الزهراني ل«الحياة» أن وظيفة الحلب كانت من وظائف المرأة في البوادي والأرياف، ولا غضاضة فيها اليوم، مشدداً على أن العمل الشريف يجب أن يكون مقبولاً في المجتمع، خصوصاً في حياتنا المعاصرة. وقال: «كل ثقافة مجتمع يجب أن تبدع طرقاً مبتكرة لإشباع حاجاتها، فمن الممكن أن نبتكر طرقاً جديدة لمشاركة المرأة في التنمية من دون أن تضحي بوظيفتها كأم مثل «العمل عن بعد».