كبح البيت الأبيض اندفاع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى حوار «بلا شروط» مع كوريا الشمالية، إذ اعتبر ناطق باسم مجلس الأمن القومي أن «الوقت ليس مناسباً الآن» لمفاوضات بين الجانبين، إلى أن «تحسِّن (بيونغيانغ) سلوكها» بعد اختباراتها الصاروخية أخيراً. أتى ذلك بعد ساعات على إبداء تيلرسون انفتاحاً مفاجئاً على حوار «بلا شروط» مع كوريا الشمالية، متراجعاً عن طلب «غير واقعي» بأن تقبل بيونغيانغ أولاً التخلّي عن برنامجها لأسلحة الدمار الشامل. وأعلن تيلرسون أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدعم موقفه، لكن الأخير كرّر تصريحات عنيفة ضد الدولة الستالينية، إذ اعتبرها «ديكتاتورية شريرة»، فيما أكد البيت الأبيض أن الرئيس «لم يغيّر موقفه في شأن كوريا الشمالية». وسارعت روسيا والصين إلى الترحيب بتغيير «بنّاء» في لهجة واشنطن. وأتى تصريح تيلرسون بعد تعهد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، تطوير «مزيد من أحدث الأسلحة والعتاد»، من أجل «تعزيز القوة النووية نوعاً وكماً». وأثناء تقليده أوسمة لعلماء ومسؤولين ساهموا في تطوير الصاروخ الباليستي العابر للقارات «هواسونغ-15» الذي أطلقته بيونغيانغ أخيراً ويطاول الولاياتالمتحدة، أضاف أن بلاده «ستتقدّم منتصرة وتثب لتكون أقوى قوة نووية وعسكرية في العالم»، وزاد: «صناعة الدفاع الوطني ستستمر بالتطوّر وسنحقق النصر في المواجهة مع الإمبرياليين ومع الولاياتالمتحدة». وكانت إدارة ترامب تشترط لأي مفاوضات محتملة مع الكوريين الشماليين، أن يكون الهدف منها نزع سلاحهم النووي. لكن تيلرسون لفت إلى أنه «ليس واقعياً القول: سنتحاور معكم فقط إذا أتيتم إلى طاولة المفاوضات وأنتم مستعدون للتخلّي عن برنامجكم (النووي). استثمروا كثيراً في هذا البرنامج. الرئيس واقعي جداً في هذا الصدد أيضاً. نحن مستعدون للتحاور عندما تريده كوريا الشمالية. نحن مستعدون لعقد أول اجتماع من دون شروط». وأضاف: «لنجتمع ونتحدث عن الطقس لو أردتم، أو حول إذا كانت طاولة الحوار ستكون مربعة أم مستطيلة إذا كان هذا يريحكم، لكن على الأقل لنلتقِ وجهاً لوجه، وبعدها سنتمكن من وضع خريطة طريق في شأن الاتجاه الذي نريد سلوكه». واستدرك: «لدينا حضور عسكري قوي وراءنا. في حال اتخذت كوريا الشمالية خيارات خاطئة، نحن مستعدون عسكرياً. لا يمكن أن نقبل امتلاك كوريا الشمالية أسلحة نووية». وخاطب قادتها قائلاً: «سيكون صعباً التحاور إذا قررتم، وسط محادثاتنا، اختبارَ قنبلة أخرى». ونبّه إلى أن الكوريين الشماليين «يجازفون» إذا لم يتخلّوا عن طموحاتهم النووية ب «تجاوز عتبة لا يمكننا، أي الديبلوماسيين، القيام بأي شيء بعدها. وإذا تجاوزنا هذه العتبة سأكون فشلت، ولا أريد أن أفشل». وأقرّ تيلرسون بأن واشنطن ناقشت مع بكين كيفية «تأمين الأسلحة النووية التي طوّرتها (بيونغيانغ)، وضمان عدم وقوع أي شيء في ايدي أفراد لا نرغب في أن يحصلوا عليها»، وتابع أن الولاياتالمتحدة أكدت للصين أنه في حال اضطرار القوات الأميركية إلى العبور شمالاً من المنطقة المنزوعة السلاح التي تفصل الكوريتين، «فستعود إلى الجنوب بمجرّد عودة الاستقرار» إلى الدولة الستالينية. وأكد الوزير أن ترامب «شجّع جهودنا الديبلوماسية»، لكن ناطقة باسم البيت الأبيض قالت لاحقاً إن الرئيس «لم يبدّل موقفه في شأن كوريا الشمالية»، مشيرة إلى أنها «تتصرّف بطريقة خطرة». وكان ترامب اعتبر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أن تيلرسون «يضيّع وقته» في السعي إلى التفاوض مع بيونغيانغ، بعد حديث وزير الخارجية عن «قنوات تواصل» من أجل «اختبار» نياتها في شأن حوار. وسارعت اليابان إلى تأكيد أنها والولاياتالمتحدة تؤيّدان استراتيجية الضغط على كوريا الشمالية، لكن الكرملين رحّب بتغيير «بنّاء» في لهجة واشنطن، مع تصريحات «تبعث على الارتياح أكثر بكثير من لغة المواجهة التي سمعناها حتى الآن». كما أعربت بكين عن أملها بأن تتخذ واشنطن وبيونغيانغ «خطوات مهمة في اتجاه الحوار». لكن ناطقة باسم الخارجية الروسية نبّهت إلى عواقب خطرة ل «عرض القوة» الأميركي في كوريا الجنوبية، التي أعلن جيشها تنفيذ تدريبات ناجحة على إطلاق صواريخ «جوّ-جوّ» من مروحيات، رداً على «أي استفزاز من العدو». تزامن ذلك مع وصول وفد من وزارة الدفاع الروسية إلى كوريا الشمالية، فيما أجرت موسكو محادثات مع بكين لتنسيق تحركهما تجاه بيونغيانغ في مجلس الأمن. في نيويورك، أبلغ مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان، بعد عودته من بيونغيانغ، المجلسَ بأن مسؤولين كوريين شماليين «اتفقوا على أهمية منع حرب»، مستدركاً أنهم «لم يقدّموا أي نوع من الالتزامات».