ربما كان جورج قرداحي صديقي، إلا أنها صداقة ملتبسة لأنني لا أطيق صحبته. أجلس معه في مؤتمر أو مطعم أو أي مكان عام، وتجتمع حولنا الحسان، أو يجتمعن حوله، لأنني أتحول فجأة الى «الرجل الخفي» فهن لا يرينني أو يحدثنني، وانما يركزون عليه كأنه وحده في مؤتمر يضم ألف مشارك، وهو الخطيب والمستمعون. ولا أستطيع أن أعزّي نفسي بأنهن وراء المليون ريال، فقد توقف برنامج «من سيربح المليون»، كما ان المؤتمرات تضم أثرياء من أصحاب البليون ريال أو أكثر، والحسان لا يبدين أي اهتمام بهم. في الرياض قبل أيام جمعتني والصديق جورج جلسة مع أخينا الدكتور عبدالعزيز خوجة وزير الإعلام السعودي، وقلت للوزير إنني لا أحب مرافقة جورج للأسباب الواردة أعلاه. وضحك الدكتور عبدالعزيز وقال لي إن مشكلتي هذه غير قائمة في السعودية، حيث الحسان لا يختلطن بالرجال علناً. ونظرت حولي ورأيت فعلاً أن المكان يجمعنا مع ألف رجل آخر وقلت للقرداحي: يا شيخ مبروكين عليك. أكتب بعد أن تلقيت عدداً كبيراً من رسائل القراء، واتصالات هاتفية، تعليقاً على حضورنا المهرجان الثقافي (الجنادرية) وقول الملك عبدالله بن عبدالعزيز انه سيشاركني جائزة المليون ريال «نصْ بنصْ» إذا ربحها. بعض القراء طلب نصف نصفي من الجائزة، وآخرون أبدوا الحسد، وبما انني وعدت ببعض الهذر اليوم، بعد أن انتقدت رسائل أخرى للقراء أمس، فإنني أحكي للجميع قصة: يُحكى أن بدوياً كانت له جرّة فيها سمن وعسل، وهو فكر يوماً وقال: أبيع الجرة بعشرة دراهم وأشتري خمسة رؤوس من الغنم، وأبيعها في كل سنة مرتين، ويصبح عندي في سنتين مئتا رأس من الغنم، فأشتري بقراً وأزرع حقلي ويكثر المال في يدي، وأسكن القصور وأقتني العبيد والإماء، وأتزوج وأرزق بالخلف الصالح. وأعجبته الفكرة فقفز يرقص فرحاً ويلوح بعصاه، وأصاب الجرّة فانكسرت، وسال السمن والعسل على رأسه. حتى إشعار آخر لم تنكسر الجرّة على رأسي، فكله كلام بكلام سجلته لتسلية القارئ وأعود الى رأي القراء فيه اليوم للسبب نفسه. وما حصلت عليه فعلاً هو بعض الفكر النيّر في جلسات الجنادرية، والاجتماع بالأصدقاء، وقد سرّني وجود الأخ محمد رضا نصرالله، عضو مجلس الشورى، فبيننا صديق مشترك هو الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، وقد راجعنا بعض قصائده والذكريات معه. وشاركت مع الدكتور سليمان عبدالمنعم، الأمين العام لمؤسسة الفكر العربي، في برنامج «المشهد الثقافي» للأخ محمد بودي، وقد بثته القناة الثقافية السعودية. ثمة قضيتان طغى اهتمام القراء بهما في الأسابيع الأخيرة على كل موضوع آخر، هما مصر وثورتها المستمرة، والمواجهة بين دول مجلس التعاون العربي وإيران. وأرحب بكل رأي نشرته «الحياة» من قراء يعارضون من رشحت للرئاسة المصرية. وقلت لقراء راسلوني مباشرة بالبريد الإلكتروني انني كنت بدأت أخاف من ان تتحول «ثورة الشباب» الى «ثورة عِيال» والشباب يتدخلون في كل شاردة وواردة من أمور البلد، مع انهم من دون خبرة في الحكم، وهناك حكومة تضم خبرات كبيرة وراءها مجلس عسكري يجمع خبرات الشيوخ. إلا أن حديثي مع بعض قادة شباب الثورة، وقد نشرت أهم تفاصيله في هذه الزاوية الأربعاء الماضي، طمأنني الى ان مصر تسير في الطريق الصحيح، وإذا فعلت فالأمة كلها ستتبعها. وجدت توافقاً كبيراً بين القراء الذين توقعوا الأفضل لمصر، وخلافاً أكبر منه على العلاقات مع إيران. كيف أكتب مقالاً عن خلفية الأوضاع في البحرين، وأتلقى رسالة من قارئ يتهمني بأنني وهابي، وآخر يقول انني صفوي؟ تكاد هذه التهمة تتكرر مع كل مقال لي عن العلاقات مع إيران، أو البحرين تحديداً، وأجد أن القراء منقسمون بحدة، وأن الانقسام طائفي، فالسنّة يهاجمون إيران، والشيعة يدافعون عنها، والذين ينطلقون في تحليلهم من دون التزام مثلي يصبحون مثل الواقع بين البصلة وقشرتها، وما ينال سوى ريحتها. وبما انني أعرف عجزي عن إقناع هؤلاء أو أولئك بالاعتدال فإنني أعود الى شباب مصر وأقول عن الفساد «لا تدينوا كي لا تدانوا» واتركوا الإدانة أو التبرئة للمحاكم، وعن الحُكْم «أعطوا القوس باريها» فالحكومة أكثر تمرّساً فيه منكم. [email protected]