قدمت الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون، بالتعاون مع سفارة المملكة الإسبانية بدمشق، نهاية الأسبوع الماضي عرض فلامنكو "عرس الدم"، و"سويت فلامنكا"، أحيته فرقة أنطونيو غاديس على مسرح الأوبرا في دمشق. و"عرس الدم" اسم لمسرحية شهيرة كتبها شاعر إسبانيا القتيل فديريكو غارثيا لوركا، وصوّر فيها مأساة عشق دامٍ يربط بين رجل متزوج وشابة، كانت خطيبته في وقتٍ سابق على زواجه، وفي ليلة زواج خطيبته السابقة من ابن الرجل الذي قتله والده منذ سنوات يأتي الزوج العاشق لحضور الحفل، فيتأجج في قلبه العشق، وتستجيب العروس له فتهرب من حفلة الزفاف، تاركة وراءها الفضيحة; ورغبة من العريس المخدوع في الانتقام يلحق بالعاشقين اللذين اختبآ في الغابة القريبة، ويتبعه رجال القرية المدافعون عن الشرف والتقاليد. وعندما يعثر عليهما تدور بين الغريمين معركة بالخناجر أمام العاشقة البائسة يقتل فيها كل منهما الآخر. هذه القصة البسيطة صاغها لوركا شعراً ممسرحاً، وصمم الرقصات الإسباني الراحل أنطونيو غاديس، كما نقلها المخرج الإسباني كارلوس ساورا إلى السينما بأسلوبه الخاص. وتتجلى عبقرية غاديس في هذا العمل، كون الرقص وحده دون صوت، ودون موسيقى، ومن خلال إضاءة ذكية، استطاع أن يصل إلى مستوى الشعر الحقيقي، وأن يعادل بحركات الجسم وحدها ما صاغه لوركا كلمات ودراما من الشعر الخالص. تقاسم الجمهور الشغف مع الراقصين، وبالشغف اللاتيني أشعل الراقصون والراقصات، بعروض إفرادية وثنائية وجماعية، مسرحاً ممتلئاً عن آخره، تمر في فضائه ملامح من تأثيرات غربية وشرقية لا تخطئها العين أو الأذن، فرحلة الفلامنكو هي امتزاج لتراث غجري مر من بلاد الهند وفارس، قاطعاً تلك المسافات الجغرافية والاجتماعية ليشكل حاصلاً ل"تراثات" شعوب عديدة في الطريق إلى إسبانيا، وهناك أخذ الفلامنكو من تأثيرات المغرب العربي الممتزج بدوره بموروث 800 عام من الوجود العربي في الأندلس. نجد ملامح ذلك في أصوات المغنين "الرواة" على طريقة التروبادور، وفي ألحان الأكف في تصفيق معد ومتنوع، وفي الأصوات الفجائعية لحناجر المغنين، كذلك في تسخير الأجساد كلها حتى تضرب الأقدام الأرض في ما يشبه حركات "الدبكة" المعروفة في بلاد الشام؛ إنه الشغف الذي جمع شرق العالم القديم بغربه، في متتاليات من الفلامكنو تبدو متكررة الحركات، ومن هنا تأتي صعوبتها، حيث يجهد الراقص في التنويع على منمنمات يصعب التقاطها إلا من قبل جسد شغوف وعين شغوفة. ثم قدمت الفرقة "سويت فلامنكا"، وهو العمل الذي بدأ به أنطونيو غاديس مهنته في الرقص الإفرادي عام 1963. وهذه الرقصات تشكلت تباعاً لتكوِّن متتالية الفلامنكو بعد خمسة أعوام، فقد تألفت من ثمان قطع من رقصات الفلامنكو التقليدية التي قدمها غاديس من وجهة نظره الخاصة. وهذه المتتالية تعتبر الجزء الثاني لِ"المتتالية الإسبانية". كما تنوي الفرقة إعادة بنائها وتقديمها على خشبة المسرح في الأعوام القادمة. ومتتالية الفلامنكو هي سلسلة أرقام تقدم مواجهة مفاجئة لجماليات رقص الفلامنكو، مع الرقصات الإفرادية، والثنائيات ومجموعات الرقص، لتعرض كل جوانب الفلامنكو كما رآها أنطونيو غاديس من منظوره الخاص، لكنها طريقة لم تعد مستخدمة هذه الأيام، وسبق وصفها بأنها أعمال كلاسيكية.