في خضم الأحداث اللاهبة التي يعيشها العالم العربي في السنوات العشر الأخيرة، أصبح لزاماً على أصحاب الحجج الضعيفة مخاطبة عواطف الناس بدلاً من عقولهم على اعتبار أنها الطريق لكسب تأييدهم أو على الأقل ضمان وقوفهم على الحياد، ولعل أدلجة القضايا وتكييفها دينياً بات أسهل الطرق للتأثير في الناس وجعلهم يؤيدون صاحب ذلك المنحى، خصوصاً أن البعض لا يحاول التدبر أو التفكير في مطابقة النصوص الشرعية للحالة محل الخلاف، ويكفي أن يستخدم أحدهم خطاباً دينياً لتمرير مصالحه دون أدنى اعتراض إلا من القلة القليلة التي باتت تنعت بالإجرام الفكري والإفساد لمجرد أنها ترى ما لا يراه أصحاب الأفق الضيق. خلال الأسبوع الماضي استأثرت قضية الروماني ميريل رادوي وتقبيله الصليب باهتمام الوسط الرياضي وغير الرياضي على حد سواء، حتى إن الأمر بلغ تدخل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتأديب هذا «المارق» الذي يحمل صليباً على ساعده وهي تهمة تشبه إلى حد بعيد جلد أحدهم بداعي أنه «يشرب الدخان في سوق الحريم»!! ولو كان الأمر يتعلق برادوي وحده الذي جاء إلى بلادنا نصرانياً لنصحناه باستئجار شقة مفروشة مغلقة النوافذ والأبواب ليمارس فيها تقبيل الصليب بعيداً عن الأنظار، غير أن الأمر يتعلق بهواة تكييف الخلافات الرياضية دينياً، فلو قال أحدهم إن رادوي بتقبيله الصليب خالف تعليمات الاتحاد السعودي لما التفت إليه أحد، بعكس لو قال إن ما فعله الروماني يعتبر تبشيراً بالمسيحية، وهذا الأمر مع الأسف مارسه الهلاليون والنصراويون والاتحاديون والأهلاويون بشكل واضح في السنوات الأخيرة، بدءاً بفتوى تحريم انتقال ياسر القحطاني إلى الاتحاد، ومروراً بعدم جواز حضور الهلاليين حفلة نادي القرن بداعي وجود النساء والخمور، وتحريم ظهور بعض اللاعبين في دعاية أمواس الحلاقة وانتهاءً بما سيلحق!! حقيقة لا ألوم «سفهاء» الرياضة حين أخذوا يتلاعبون بالدين وفق مصالحهم الشخصية ومصالح أنديتهم، لأن اللوم يقع على العقلاء من الملتزمين دينياً الذين باتوا أدوات في أيدي «السفهاء» وأصبحوا يضعون من مكانتهم حين يتدخلون في قضايا لا تستحق حتى الالتفات إليها، خصوصاً أن تدخل هيئة الأمر بالمعروف في مثل هذه القضايا يفتح الباب أمام التشدد بطريقة لن نستطيع معها مجرد الحوار.. تخيلوا لو فتحنا هذا الباب لجاء أحدهم وطالب بتحريم بث المباريات في التليفزيون على اعتبار أن التصوير محرم شرعاً، ولجاء ثانٍ ليطالب بمنع التشجيع في المدرجات لأن التصفيق والصفير محرم شرعاً، ولجاء ثالث ليطالب بتغيير قوانين لعبة كرة القدم لأنها من وضع «الفيفا» الكافر، ولجاء رابع ليطالب بطرد اللاعبين الأجانب من جزيرة العرب على اعتبار أنهم مشركون، ولجاء خامس ليطالب بتحريم المباريات أصلاً لأن اللاعبين يرتدون سراويلَ فوق الركبة وفي هذا كشف لعورة اللاعب!! ما نتمناه أن تبقى الرياضة في إطار قوانين وأنظمة الرئاسة العامة لرعاية الشباب وهي بالتأكيد مستمدة من ثقافتنا المحلية التي ترفض القزع والوشم والسلاسل والأخلاق والكلمات البذيئة والتصرفات الغوغائية، أما أن يتدخل المحتسبون وهيئة الأمر بالمعروف وهيئة حقوق الإنسان وكل من يعتقد أن له علاقة فذلك مدعاة للفوضى وتدخل غير مبرر في شأن جهة حكومية قائمة ومسؤولة عن الملاعب الرياضية وما يحدث فيها.. لا ننسى أيضاً أننا عندما نستعين بلاعبين أو مدربين أجانب فنحن أمام أبناء ثقافة مختلفة تماماً ويجب ألا نستغرب أن أحدهم يتلو صلواته في غرفة اللاعبين أو يضع صليباً على صدره، أو يحلف بالعذراء، فتلك ثقافتهم التي يعتقدون أنها تجلب لهم الحظ «البركة»، وهي طريقتهم التي يعتقدون أنها تقربهم من الله، وليس شرطاً أن يتحول هؤلاء بمجرد وصولهم إلى بلادنا زهاداً وعباداً، فنحن من جاء بهم ويفترض ألا نتدخل في طريقة تفكيرهم طالما أنهم لم يسيئوا إلى بلادنا أو إلى ثقافتنا المحلية. [email protected]