أعلنت الولاياتالمتحدة انها بدأت تستخدم طائرات من دون طيار مزودة صواريخ على مسرح العمليات في ليبيا، ملبية بذلك رغبة بعض دول حلف شمال الاطلسي في تعزيز العمليات الجوية ضد قوات العقيد معمر القذافي. وفيما رحبت المعارضة الليبية بارسال الطائرات من دون طيار، قائلة انها تأمل في أن تحمي هذه الخطوة المدنيين، أعرب خبراء استراتيجيون عن شكوكهم في ان تكون الطائرات من دون طيار قادرة وحدها على «تغيير قواعد اللعبة على الارض»، على الاقل فوراً. ويأتي ذلك فيما قال مايك مولن رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة أمس ان الضربات الجوية التي شنتها قوات «الاطلسي» قوضت القوات الليبية البرية بنسبة تراوح بين 30 و40 في المئة لكن المدى الزمني لرحيل القذافي عن السلطة «غير واضح» وقال مولن أمام القوات الاميركية خلال زيارة للعاصمة العراقية بغداد ان الصراع «يتحرك بالقطع صوب حالة جمود». واستطرد «لكن في نفس الوقت قوضنا ما بين 30 و40 في المئة من قواته البرية الرئيسية»، في اشارة الى قوات القذافي. وذكر مولن الذي وصل الى بغداد اول من امس لاجراء محادثات مع الزعماء العراقيين وزيارة القوات الاميركية أن هناك توافقاً دولياً على «أنه يجب على القذافي الرحيل» لكنه أقر بأن المدة التي قد يستغرقها ذلك «غير واضحة». وقال مولن: «كل تحرك تتخذه الدول لتضييق الخناق عليه سيستمر حتى يرحل. هل سيفهم هذا.. لا أعرف». كما أوضح أن ليست هناك مؤشرات على وجود عناصر لتنظيم «القاعدة» في صفوف المعارضة الليبية المسلحة، مهوناً من مخاوف بشأن تدخل اي جماعات متشددة في الصراع الليبي. لكنه قال: «لا يعني هذا بالتأكيد -سواء في ليبيا أو أي دولة أخرى- أن ليس هناك زعماء في منظمات ارهابية لا يتطلعون لمحاولة الاستفادة من هذا». وأضاف: «نحن نراقب ذلك ونضعه في الاعتبار لكنني لم أر الكثير من هذا على الاطلاق. في الواقع لم أر تمثيلا للقاعدة هناك على الاطلاق». وأقر مولن بأن الجماعة الاسلامية المقاتلة الليبية التي قادت تمرداً مسلحاً فاشلاً ضد حكم القذافي في التسعينات من القرن العشرين «تحركت بعض الشيء ... لكن لم أر أي شيء ملموس في هذا الوقت بالذات». وكانت الجماعة أكبر تحد للقذافي في التسعينات وقامت بعدة محاولات فاشلة لاغتياله. ميدانياً، أعلنت واشنطن انها ستستخدم طائرات من دون طيار مزودة صواريخ لتعزيز العمليات الجوية في ليبيا. وقال وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس اول من امس ان الرئيس باراك اوباما «وافق على اللجوء الى طائرات بريديتر مسلحة واعتقد ان هذه كانت مهمتها الاولى اليوم». واضاف ان طائرتين من هذا النوع ستكونان دوماً في الخدمة في الاجواء الليبية. وكانت اميركا تولت تنسيق عمليات التحالف الدولي لفرض منطقة لحظر الطيران من اجل حماية المدنيين في الايام الاولى من التدخل العسكري. وقد انهت مشاركتها في عمليات القصف مطلع نيسان (ابريل). وهي تكتفي منذ ذلك الحين بلعب دور داعم للاطلسي «بقدراتها الفريدة» وخصوصا طائراتها العديدة للتزويد بالوقود وطائرات التشويش. الا انها تبقي بتصرف «الاطلسي» وسائل لتوجيه ضربات جوية في حال طلب الحلف ذلك، بما فيها طائرات بريديتر التي تملك محركات قوية جدا ويمكنها ان تحمل صاروخين او قنبلتين كل منهما 125 كلغ. وقال نائب رئيس اركان الجيوش الاميركية الجنرال جيمس كارترايت ان «الامر الفريد الذي ستقدمه (الطائرات من دون طيار) هو القدرة على التحليق على ارتفاع ادنى وبالتالي تحقيق رؤية افضل لاهداف محددة لانها (قوات القذافي) بدأت تدفن نفسها في مواقع دفاعية». واضاف ان طائرتي «بريديتر» ستعملان بشكل دائم فوق ليبيا مما يتطلب حشد حوالى ثماني طائرات تقريبا. وجرت الطلعات الاولى ليل اول من امس لكنها لم تنفذ اي ضربات بسبب الاحوال الجوية السيئة، على حد قوله. وقال مسؤول اميركي اخر لوكالة «فرانس برس» ان هذه الطائرات من دون طيار وضعت بتصرف الحلف مطلع نيسان وقامت حتى الآت بمهمات استطلاعية، مشيرا الى انها ستشن الضربات بطلب من «الاطلسي». وكان الحلف تعرض في الايام الاخيرة لانتقادات المعارضة الليبية وبعض الدول الاعضاء فيه التي اتهمته بأنه لا يبذل جهوداً كافية ضد القوات الموالية للقذافي. وتؤمن فرنسا وبريطانيا نصف مهمات القصف بينما تنفذ اربع دول اخرى - بلجيكا وكندا والدنمارك والنروج - النصف الآخر. وسترحب الدول الست بتقاسم افضل للعبء السياسي والعسكري. والى جانب الدور الداعم الذي تلعبه، شنت اميركا ثماني ضربات ضد مواقع للدفاع الجوي منذ انتقال قيادة العمليات الى الحلف مطلع نيسان (ابريل). وقال غيتس ان «الحلف اظهر قدرته على مواصلة المهمة» اي قيادة وادارة العمليات العسكرية. واضاف ان مشاركة الطائرات من دون طيار «لا تغير في شيء طبيعة المساهمة الاميركية». واكد غيتس ان هذه المشاركة «مساهمة متواضعة» في جهود التحالف الدولي، مشيراً الى ان قرار استخدام طائرات من دون طيار مزودة صواريخ اتخذ بسبب «الوضع الانساني» في ليبيا. وتابع ان طائرات «بريديتر» تؤمن «قدرة» لا توفرها أنواع أخرى من الطائرات العسكرية، ولا سيما من اجل تجنب سقوط ضحايا مدنيين. الا ان غيتس المتحفظ جداً على التدخل الاميركي في ليبيا، لم يتردد في التذكير بأن الولاياتالمتحدة «لديها التزامات كبيرة اخرى في الشرق الاوسط»، وذكر خصوصاً بأن هناك مئة الف جندي اميركي في افغانستان. وقال غيتس ان اسقاط نظام معمر القذافي يبقى «الهدف السياسي» لكن يعود الى الليبيين تحقيقه. واضاف ان «الامر يسير بشكل افضل عندما يتم من الداخل ويمكن ان يستغرق بعض الوقت». وفي مصراتة آخر معقل كبير للمعارضة في غرب البلاد انتزع المعارضون السيطرة على مبنى اداري كبير في وسط المدينة كان قاعدة لقناصة القذافي وقوات أخرى تابعة له بعد معركة ضارية استمرت أسبوعين. وكانت هناك دبابات معطلة وجثة محترقة لجندي حكومي على الارض قرب المبنى الذي كان يضم مكاتب لشركات تأمين وسط مبان بدت عليها آثار اطلاق النار بحسب ما ذكرت وكالة «رويترز». وقال مقاتل ان قوات القذافي التي طردت «كانت تطلق النار على أي شيء يتحرك». وقال معارضون انهم سيطروا على عدة مبان أخرى في وسط المدينة وانتزعوها من قوات الحكومة وان حالة المعركة لا يبدو أنها تتفق مع ما يقوله مسؤولون حكوميون في طرابلس بأنهم يسيطرون على 80 في المئة من مصراتة. ويقاتل المعارضون الليبيون من مبنى الى آخر قوات القذافي التي تكون احيانا على بعد أمتار قليلة. وقال معارض: «مقاتلو القذافي يسخرون منا. اذا كانوا في مبنى قريب يصرخون نحونا بالليل ليخيفونا. انهم يصفوننا بالجرذان». وحول الوضع الانساني في مصراتة قال شهود عيان ومقاتلين إن الامدادات الغذائية والطبية بدأت تنفد في المدينة وامتدت طوابير طويلة للحصول على البنزين. وانقطعت الكهرباء لذا اعتمد السكان على المولدات. وانتظر الالاف من العمال المهاجرين الاجانب انقاذهم في منطقة ميناء مصراتة. ويأتي ذلك فيما قال التلفزيون الليبي امس ان تسعة اشخاص قتلوا ليل اول من امس في قصف لقوات «الاطلسي» لمدينة سرت مسقط رأس القذافي، موضحاً ان عدداً من القتلى كانوا من موظفي هيئة المياه وانهم كانوا يعملون اثناء تعرضهم للهجوم. ودعت السلطات الليبية المعارضة اول من امس لاجراء محادثات سلام، لكنها قالت في الوقت ذاته انها تسلح المدنيين وتدربهم لمواجهة أي هجوم بري محتمل من قوات الاطلسي. وقال موسى ابراهيم المتحدث باسم الحكومة الليبية ان سكان الكثير من المدن الليبية نظموا أنفسهم في مجموعات لمحاربة أي غزو لحلف الاطلسي، مضيفاً أنه جرى توزيع بنادق وأسلحة خفيفة على جميع السكان. وأضاف ابراهيم للصحافيين في طرابلس أن الحكومة الليبية ترحب بالسفن التي تأتي الى مصراتة لنقل العمال الاجانب لكنها لا يمكن أن تقبل وصول مساعدات انسانية بغطاء عسكري. الطائرات من دون طيار لن تغير «قواعد اللعبة» من دون معلومات استخباراتية جيدة على الأرض أثبتت الطائرات من دون طيار أنها سلاح قوي في باكستان ومناطق أخرى ليس للقوات الأميركية فيها جنود على الأرض. يمكن الطائرات أن تحلق في شكل مستمر، لمدة 24 ساعة من دون توقف تقريباً، من دون أن ترصد من الأرض ويمكنها ضرب أهداف بالصواريخ من دون تهديد لأفراد الطاقم. من مزايا هذه الطائرات القدرة على التحليق على ارتفاع أدنى وبالتالي تحقيق رؤية أفضل لأهداف محددة، وهذا يمكن أن يساهم في الحد من سقوط المدنيين الذين يقتلون خطأ على أرض المعركة. على رغم حماسة المقاتلين الليبيين للخطوة، إلا أن إدخال الطائرات من دون طيار الخدمة في ليبيا لن يؤدي وحده إلى «تغيير قواعد اللعبة» على مسرح العمليات. يقول خبراء استراتيجيون إن الميزة الكبرى لهذه الطائرات هي أنها يمكنها أن تقصف أهدافاً صغيرة جداً في شكل دقيق، ما يساعد على التمييز بين المدني والعسكري على أرض المعركة، فهي دقيقة لدرجة تمكنها من استهداف قناص فوق سطح بناية مثلاً. لكن هذه القدرات التقنية العالية يلزمها معلومات استخباراتية من على الأرض، وهي ربما نقطة ضعف لدى «الأطلسي» والثوار الليبيين الذين لم يظهروا حتى الآن أن لديهم قدرات جيدة فيما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية على الأرض.