مصراتة، طرابلس، بنغازي، واشنطن - رويترز، أ ف ب - أعلن الثوار الليبيون أمس أن مدينة مصراتة، ثالث أكبر المدن الليبية، باتت مدينة محررة بعدما انسحبت قوات العقيد معمر القذافي منها بعد حصار استمر قرابة شهرين. وجاء ذلك مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الولاياتالمتحدة شنّت أمس السبت أولى غاراتها على ليبيا مستخدمة طائرة «بريديتور» بلا طيار. ولم تقدم وزارة الدفاع الأميركية مزيداً من التفاصيل في شأن الضربة واكتفت بالقول إنها تمّت قبل ظهر أمس بالتوقيت المحلي في ليبيا. وكان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ذكر يوم الخميس أن طائرة من دون طيار ستستخدم في ليبيا لشن هجمات بصواريخ «هلفاير» على قوات العقيد معمر القذافي. وقال الجنرال جيمس كارترايت نائب رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة إن الخطة الأميركية تدعو إلى الاحتفاظ بدوريتين من طائرات «بريديتور» المسلحة في أي وقت محدد مما يسمح بمراقبة واستهداف أفضل لقوات القذافي. والطائرات متمركزة في المنطقة لكنها تنطلق عادة بأجهزة تحكم عن بعد يستخدمها طيارون في الولاياتالمتحدة. ويستخدم الجيش الأميركي طائرات أخرى من دون طيار لاستهداف متشددين على طول الحدود الباكستانية مع أفغانستان. وقال مسؤولون أميركيون إن الطائرات من دون طيار في ليبيا لم تنقل من أفغانستان. في غضون ذلك، دارت معارك عنيفة السبت في مصراتة، غرب ليبيا، ما أوقع ما لا يقل عن 10 قتلى وفق ما قال ل «فرانس برس» مسؤول في مستشفى المدينة الذي نقل إليه عدد كبير من الجرحى بينهم جنود موالون للقذافي. وقال طبيب في مستشفى المدينة الرئيس: «منذ الساعة الثامنة صباحاً نُقلت إلى المستشفى 10 جثث وحوالى خمسين جريحاً، ما يمثّل عادة حصيلة يوم كامل» من المعارك. وأضاف الطبيب خالد أبو صلرة في مستشفى الحكمة: «لم نعد نستطيع احتواء الوضع. إننا بحاجة إلى فرق طبية ومعدّات وأجهزة وأدوية». وكانت سيارات الإسعاف تصل كل ثلاث أو أربع دقائق تنقل بصورة خاصة جنوداً جرحى من قوات القذافي. ونقلت وكالة «رويترز» عن جمال سالم الناطق باسم الثوار في مصراتة أن المدينة تحررت من قوات القذافي بعد حصار للمدينة خلال الشهرين الماضيين تقريباً. ولم يرد تأكيد مستقل، إلا أن جنوداً ليبيين أسرهم المعارضون في مصراتة قالوا إن الجيش تلقى تعليمات بالانسحاب منها. وصرّحت الحكومة الليبية في وقت سابق بأن القبائل المحلية ستتولى زمام المعركة من الجيش. وقال جمال سالم ل «رويترز» في حديث هاتفي من المدينة: «مصراتة حرة. انتصر المعارضون. من بين قوات القذافي من قتل وآخرون يفرون». وأضاف أن على رغم انسحاب قوات القذافي من مصراتة، فإنها لا تزال مرابطة خارجها في وضع يمكّنها من قصفها. وقُتل مئات المدنيين في القتال الدائر في المدينة. وقال سالم إن هدف المعارضة في مصراتة الآن هو مساعدة المعارضين في المناطق الأخرى في غرب ليبيا ضد قوات القذافي. وأضاف أن المعارضين يمشّطون الآن مصراتة ويخلون الشوارع. وتابع ان قوات القذافي نصبت قبل رحيلها شراكاً خداعية في المنازل والسيارات وحتى الجثث. وتابع: «كان رجل يفتح ثلاجته لدى عودته إلى بيته بعدما غادرته قوات القذافي هذا الصباح فانفجرت في وجهه. الجثث نفس الشيء. عندما يحاول المعارضون رفع جثة تنفجر. قُتل منا ثلاثة أشخاص بسبب ذلك و15 اصيبوا». وقال الجندي الليبي خالد درمان ل «رويترز»: «طُلب منا الانسحاب (أول من) أمس». والجندي الذي كان يتحدث من على ظهر شاحنة كان بين 12 جندياً مصاباً نقلوا إلى مستشفى للعلاج في مصراتة. وسمعت أصوات الانفجارات والاسلحة الآلية من بعد. وأجاب جندي آخر رداً على سؤال لمراسل «رويترز» عما إذا كانت الحكومة فقدت السيطرة على مصراتة بقوله «نعم». وقال جنود أسرى إن الجيش الليبي تعرض لهجوم من معارضين أثناء تقهقره. وقال جندي صغير في السن يدعى اياد محمد: «هاجمنا المعارضون بينما كنا ننسحب من مصراتة قرب جسر هذا الصباح». وكان جنود آخرون يتحدثون بزيهم الرسمي، بينما كان هناك من يئنون ويتوجهون لله بالدعاء. وسيطر المعارضون في مصراتة في وقت سابق على مبنى مكاتب في وسط المدينة كان قاعدة لقناصة القذافي وقوات أخرى تابعة له بعد معركة استمرت أسبوعين. وكانت هناك دبابات معطلة وجثة محترقة لجندي حكومي على الارض أول من أمس قرب المبنى الذي كان يضم مكاتب لشركات تأمين وسط مبان بدت عليها آثار اطلاق النار. وقال مقاتل إن قوات القذافي التي طردت «كانت تطلق النار على أي شيء يتحرك». وقال خالد الكعيم نائب وزير الخارجية الليبي إن الوضع في مصراتة سيهدأ وستتعامل معه القبائل حول المدينة وبقية سكانها وليس الجيش الليبي. وأضاف أن قبائل مصراتة ستكون سريعة وأن الجيش الليبي سيخرج من المدينة لأن الشعب الليبي حول مصراتة لا يمكنه تحمل الوضع على هذه الحال. وذكر أن أسلوب الجيش الليبي كان ينشد حلاً حاسماً لكنه فشل مع الغارات الجوية. وتابع: «اذا كان (الجيش) غير قادر على حل المشكلة في مصراتة، فسيتوجه ناس من (المدن المحيطة) زليطن وترهونة وبني وليد اليها ليتحدثوا مع المتمردين. واذا لم يستسلموا فسيقاتلونهم». وبعد ساعات من اعلان تغيير أسلوب تحركات قوات القذافي في مصراتة، قصفت طائرات حلف شمال الأطلسي هدفاً بالقرب من مجمع الزعيم الليبي في وسط طرابلس في وقت مبكر أمس. وقال موسى ابراهيم الناطق باسم الحكومة الليبية ان ثلاثة أشخاص قتلوا في انفجار قوي للغاية في مكان لانتظار السيارات قرب مجمع باب العزيزية حيث يوجد القذافي. وقال صحافيون من «رويترز» إن المنطقة محاطة بجدار وتحرسها أبراج مراقبة وجنود. ورأى الصحافيون حفرتين كبيرتين في الأرض حيث سقطت القنابل على ما بدا أنه مخزن تحت الارض. وتصاعد الدخان من احدى الحفرتين ومن مخازن ذخيرة قريبة. وقال إبراهيم إن المنطقة مهجورة وأن صناديق الذخيرة كانت فارغة. إجلاء محاصرين من مصراتة وكانت سفينة تابعة للمنظمة الدولية للهجرة محملة بالأدوية والأغذية رست صباح السبت في ميناء مصراتة، ويتوقع أن تكون قد أبحرت بعد الظهر إلى بنغازي معقل الثوار شرق ليبيا وعلى متنها ألف لاجئ أجنبي معظمهم من النيجيريين. وسبق أن أجلت المنظمة من مصراتة أكثر من 3100 لاجئ من 21 جنسية كانوا عالقين في المدينة. وأمام الميناء كانت مئات الأسر الليبية تنتظر على أمل الصعود الى السفينة. وقال جيريمي هسلام المسؤول الرئيس عن إدارة الأزمة من جانب الثوار الليبيين انه خلال الرحلة الاخيرة للسفينة التي استأجرتها المنظمة الدولية للهجرة «قطع ليبيون يريدون الفرار الطريق إلى المرفأ». وقامت السفينة في الأيام الماضية برحلات بين مصراتة وبنغازي. وأضاف أن «الليبيين لا يفهمون كيف أن سلطات المرفأ لا تسمح لهم بالدخول». ويقول سوري خمسيني يعمل كهربائياً وصل إلى ليبيا في 17 شباط (فبراير) بحثاً عن فرص عمل إنه «مسرور جداً» للعودة الى بلاده بعد ان شهد معارك عنيفة. وروى ل «فرانس برس» ان «رجال القذافي يطلقون النار على كل ما يتحرك في المدينة لكنهم يعانون أيضاً»، مشيراً إلى دفن «11 أو 12 من رجال القذافي» قبل أيام. وكان السناتور الأميركي جون ماكين، وهو أكبر سياسي غربي يزور المناطق التي تسيطر عليها المعارضة الليبية في شرق البلاد، عبّر عن نفاد الصبر من توخي واشنطن الحذر في استخدام القوة العسكرية في ليبيا، وقال إن الولاياتالمتحدة يجب أن ترسل طائرات مقاتلة تشن ضربات على الأرض وتعترف بحكومة المعارضة. وتزيد زيارة ماكين السياسي الجمهوري الكبير الذي خاض انتخابات الرئاسة ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما من الأهمية السياسية لحرب أقر الاميرال مايك مولن رئيس هيئة الاركان المشتركة في الجيش الاميركي بأنها تتجه نحو الجمود. ومنذ الأيام الأولى للغارات الجوية أمر أوباما قواته بلعب دور عسكري ثانوي لأنه متردد في الدخول في حرب ثالثة في دولة اسلامية، لذا ترك أمر الغارات الجوية على الارض لحلفاء واشنطن في حلف شمال الاطلسي. وذكرت القوات الاميركية الاسبوع الماضي أنها سترسل طائرات من دون طيران لشن غارات جوية على الارض. وفي بنغازي معقل المعارضة الليبية، قال ماكين إن واشنطن يجب أن تستخدم الطائرات الهجومية التي تحلق على ارتفاع منخفض وهي من الاسلحة الاخطر في أسطولها. وقال ماكين: «ما زال من المحير بشدة بالنسبة الي أن أكثر نظامين بين أنظمة أسلحة الدعم الجوي دقة وهما نظاما ايه-10 وايه سي- 130 لم يستخدما في هذا القتال». وقال مولن للقوات الأميركية في بغداد ان الغارات الجوية التي يقودها الغرب قوضت قوات القذافي البرية بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة. وفي اشارة الى الصراع قال: «يتحرك بالقطع صوب حالة جمود». وقال ماكين إن واشنطن يجب أن تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي كممثل رسمي لحكومة ليبيا وهي خطوة اتخذتها فرنسا. وأضاف: «لقد اكتسب (المجلس) هذا الحق وصادره القذافي من خلال شن حرب على شعبه». ورداً على سؤال حول زيارة ماكين لبنغازي قال جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض: «نعتقد أن الامر يتوقف على شعب ليبيا ليقرر من يرأس بلاده وليس الولاياتالمتحدة». وقالت مصادر مقربة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إنه يعتزم زيارة بنغازي ربما في الاسابيع الاولى من أيار (مايو) وأنه يريد أن يصطحبه في الزيارة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. وفي نابولي، قالت الشركة المشغلة لسفينة إمداد ايطالية احتجزت في ليبيا الشهر الماضي إنه تم الإفراج عن السفينة وطاقمها المكون من 11 فرداً من دون أن تلحق بهم أضرار. وأكدت وزارة الخارجية الايطالية ذلك. وقال ماريو ماتيولي رئيس شركة «اوغوستا اوفشور» التي تشغّل السفينة إن السلطات الليبية في العاصمة طرابلس أفرجت عن السفينة في وقت متقدم مساء الجمعة وأن السفينة أجرت اتصالاً بسفينة تابعة للبحرية الايطالية تشارك في الحصار الذي يقوده حلف شمال الاطلسي للمياه الليبية.