يقطع الممثل السوري وائل شرف فترة انقطاع طويلة جداً عن الحوارات الصحافية، مجيباً في مقابلة ل «الحياة» عن أسئلة كثيرة حول ابتعاده عن الدراما التلفزيونية منذ عام 2014، ومشاريعه الفنية المقبلة على الشاشتين الفضية والذهبية بعد دراسته صناعة السينما، في أول ظهور درامي بعد «باب الحارة». الجلوس أمام شرف وجهاً لوجه، يعيد ترتيب الأسئلة في مواجهة الشخص الاستثنائي الذي يحاور بهاجس الفنان وأدواته بلا فصل مع الإنسان، ولا مع الدور والشخصية، وربما الواقع. هو ملاحظ ثاقب، ومخاطر جريء، الكلمات يحولها رأساً إلى معادلات، وحريص جداً على البعد الآخر للمعنى، في سلوك يطابق بعض ملامح شخصية «سوار» التي يجسّدها في تصوير «هوا أصفر» حالياً. هل هو تقمص خارج موقع التصوير، لا سيما أن شرف يجمع في أدائه مدرستيّ الداخل والخارج؟ هذا الجواب ظلّ بلا إجابة تامة، ما خلا بعض مفاتيحها، حول إنسان وفنّان دفعه وفاؤه ومحبته لوالده وصديقه الوحيد الممثل الراحل صبحي الرفاعي إلى أن يغسلّه بيده عند وفاته، في لحظة صعبة من الحقيقة. وعلى رغم جرأة الابتعاد ثلاث سنوات، ينفي شرف خطورته كما ينفي ضلوع أزمة بلده في القرار كعامل رئيس. يقول: «خرجت للدراسة كبحث عن خيار وجودي في فترة قد تكون مقتطعة من الزمن وهي فترة الأزمة، فأكثر ما يتأثر بالحرب هو الثقافة والفن. حتى الآن لا أشعر أن الأمر مصيري، ربما لأنني أحب أن أتعلم، هذا الحب دفعني لأكتشف ما يسمى بصناعة الأفلام، القرار ليس سهلاً، لكن السفر إلى إنكلترا ودراسة صناعة الأفلام كانت تستحق أن أغيب». ويضيف: «النظر للدراما أو للفن يبقى وجهة نظر شخصية للمشاهد، ما يقدمه التلفزيون ليس فناً بل هو للترفيه، السينما فن لأنها تُصنع، التلفزيون لم يستطع أن يكون فناً ثامناً، التلفزيون فن الثرثرة الجميل السينما فن صناعة الصورة المتكاملة، فن تحويل رواية إلى حقيقة». ويشير إلى أن «هناك محاولات من الفنانين السوريين لجعل التلفزيون منصةً للفن عبر الدراما التلفزيونية. من نقاط القوة في الدراما السورية أنها تستخدم الكاميرا الواحدة أي بطريقة سينمائية، وتبديل العدسات أي أصبحت أكثر احترافية وبأسلوب يدفع الممثلين للعمل بأسلوب السينما، فصار لديهم مؤهلات حقيقية ليكونوا نجوماً عالميين كالأستاذ غسان مسعود، هو ممثل عالمي في هوليوود حقيقة، وإذا سألناه ما إذ كان وجد صعوبة في فيلم سينمائي عالمي سيقول لا أنا معتاد على العمل بطريقة السينما». ويشّدد شرف على تأثير نهضة السينما في بلده إذ ما قُدّر لها إيجاباً في الدراما التلفزيونية، قائلاً إن «وجود عشرات الفضائيات في مصر، دفع بعض الممثلين في السنوات الثلاث الاخيرة وبعض المخرجين السينمائيين إلى دخول عالم التلفزيون بتكنيك سينمائي، إذاً قد تغني السينما الدراما التلفزيونية إذا دخل رأس المال لدعمها». ويشير إلى أن جزءاً أساساً من دراسته له «علاقة برأس المال، وكيفية تجييره لصناعة فيلم حقيقي وشباك تذاكر يجذب الناس. لدينا مؤسسة عامة للسينما وهي تصنع الأفلام ولدينا أرضية لصناعة الأفلام، لكن هناك مشكلة رؤوس الأموال». هنا يبشّر فنياً أن في جعبته اكثر من مشروع، بصناعة فيلم سينمائي محلي عالمي، إلى جانب مشروع تلفزيوني شرع «بصناعته مع الكاتب سيف رضا حامد، مُنجز منه حتى الآن خمس حلقات، وهو مكتوب بطريقة إدخال السينما إلى الدراما التلفزيونية بالطريقة الاحترافية». يلمح على نحو صادم إلى احتمال اعتزاله التمثيل: «أتمنى من الله ألاّ أصل إلى لحظة الخذلان التي وصل لها ممثلون كبار كثر، من الممكن أن اعتزل قبل الوصول إلى هذه المرحلة، إذا ما تحقق ما أريده في صناعة الأفلام». وفي أرشيف شرف ما لا يمكن تجاوزه من أدوار جسّدها، مثل «جواد» (لعنة الطين) و «عجاج» (بيت جدي) و «علي الزيبق» (مغامرات دليلة والزيبق) و «معتز» (باب الحارة) الأكثر جماهيرية. ويشدد على دافع التمثيل: «كل إنسان لديه في داخله طفل يقدر أن يمثل دوراً واحداً، أما الممثل فيستطيع أن يمثل كل إنسان». وأما في رؤيته لهذه المهنة فيقول: «أتمنى أن أظلّ ممثلاً حقيقياً طوال حياتي، أخشى ألا أبقى كذلك في المستقبل البعيد لأن الدوافع تختلف، الأدوات لا تنتهي عند الممثل الحقيقي إلا إذا تغيرت الدوافع، عندما يصبح باحثاً عن شيء آخر». ويردف شارحاً تعامله مع أداوره بخاصة أنه يرسمها على الورق: «اجتهدت في معظم الشخصيات التي مثلتها، لأجسدها بدمج مدرستي الداخل والخارج، كمرحلة متقدمة بما يسمى التقمص، وهو أن تتخيل شخصية موجودة وتؤمن أنها موجودة وتوهم الآخرين بوجودها وتصدّق تماماً أنك تقمصت هذا الشيء». يكشف أن شخصية «معتز» مستمدة من شقيق جده، معلناً كيفية بناء أدواتها: «رسمت الشخصية، كنت أمشي مشيته في البيت، دخلت إلى غرفتي وأغلقت الباب، استحضرت الصوت عن طريق جمل يقولها، ودمجت بين حركاته في أمور معينة وسلوك الشخصية. عندما أمرت عقلي أن يصبح هذه الشخصية، تتحول كل خلايا العقل إليها بلحظة. في الجزء الثالث كان هناك معركة بين معتز وشخصية أخرى من الشخصيات، قلت يومها للمخرج معتز سيلتقط الشخص المقابل له يرفعه إلى الأعلى ويلف به ويرميه، قال لي كيف؟ وطلب مني أن أقوم ببروفا لذلك، لكنني رفضت كي لا أضيع زخم الشعور، وقمت بهذه الحركة خلال التصوير مباشرة». ويشير إلى استخدام الخيزرانة، «لأنني شعرت بأن الشخصية تحتاج لتفرغ طاقتها، كونها كتلة من الطاقة والقوة، الخيزرانة لم تكن إكسسواراً بل كانت غرضاً، جزءاً من امتداد الشخصية». لا يحبّذ شرف المضي في الحديث عن «باب الحارة» من باب الأخذ والرد، بل يشدد على أن «العمل أيقونة في الدراما السورية أسوة برأفت الهجان في الدراما المصرية. هو عمل بسيط حقيقةً ومن بساطته أصبح إشكاليّاً. ولأنه نجح، أراد الجميع وضع سكين في ظهر هذا العمل. وأنا يستحيل أن أكون طعنة في ظهره». ورداً على سؤال حول إمكان عودته إلى «باب الحارة»، لا سيما أن أسلوب موت الشخصيات واستبدالها يسود فيه، يجيب: «هناك معطيات يحددها النص، والأهم أن هناك من يؤدي هذه الشخصية الآن». ويشير إلى الجانب الأخلاقي في مهنيته: «دور معتز عُرض على فنان قبلي، وأنا اتصلت به قبل قبولي الدور لأستأذنه، وحتى عند اعتذاري في الجزء الرابع، تواصلت معه لسؤاله ما اذا كان له خاطر فيه». ويؤكد شرف أن «هذه الأخلاق هي تركة النجم صبحي الرفاعي رئيس فرقة المسرح العمالي».