مشهد مؤثر وبالغ في دلالته نقلته القنوات الفضائية العربية، لرحلة الناشط الإيطالي فيتوريو أريغوني الأخيرة من غزة، التي أحبها وجاء للتضامن مع شعبها وقضيته، إلى بلاده ومدينته. هنا بالذات وقفنا على عمق الجريمة التي نفَّذها قتلةٌ خططوا لتشويه صورة الفلسطينيين وتشويه قضيتهم وأهدافهم، بزجهم في جريمة نكراء تجعلهم فاقدي الأهلية والبوصلة السياسية معاً. ما يلفت بالذات في مشهد الوداع، حجمُ الحزن الذي لفّ الأوساط الشعبية في قطاع غزة: المواطنين البسطاء الذين عرفوا أريغوني عن قرب، الفلاحين الذين كان يرافقهم في عملهم بأرضهم الحدودية، والصيادين الذين طالما شاركهم رحلات صيدهم في بحر غزة. هو واحد من المشاهد العميقة التأثير، والذي أعتقد أنه لن ينمحي من ذاكرة المواطنين الفلسطينيين، الذين يقع وجود الناشط الإيطالي ومصرعه الآثم في القلب من كفاحهم العادل لتحقيق أهدافهم الوطنية، وخصوصاً حقهم في الاستقلال أسوة بكافة شعوب الأرض. في العرض التلفزيوني البالغ التراجيدية، نستعيد أيضاً النقيض الصارخ، أي تلك الحياة التي عاشها في القطاع الصغير، والتي تضع أمامنا صورة شاب ضاحك ومفعم بالتفاؤل، كما بالإصرار، يعرف ما يريد، ويدرك حجم التضامن الذي يحتاجه الفلسطينيون من كل عشّاق الحرية والسلام في العالم، على النحو الذي دفعه لمغادرة مدينته ميلانو والحضور للعيش في ظل الحصار والمعاناة، وفي ظل تعرّض القطاع للاعتداءات الإسرائيلية الوحشية. حالة الحزن التي أرخت ظلالها في تلك الساعة، ونقلتها عدسات الفضائيات العربية والعالمية، قالت الكثير للعالم الخارجي، كما أيضاً للحركة السياسية الفلسطينية، المعنية أولاً وقبل أي طرف آخر برؤية الظواهر الشاذة والمناقِضة لمنطق العصر ولحقيقة أهداف الشعب الفلسطيني التحررية، التي ترفض بالتأكيد مثل هذه الجرائم. هو عالَم يتوحد بالتأكيد في لحظة الحزن البليغ الذي لفّ مشهد وداع فيتوريو في المدينة التي أحبها وأحب أهلها، وكافح معهم من أجل حياة أفضل ومستقبل يتساوون فيه مع شعوب الأرض كلها، وهو حزن نفترض أنه دفع ويدفع في اتجاه الكشف بالسرعة الممكنة عن القتلة الذين ارتكبوا هذه الجريمة، كما لمعالجة الظواهر المتطرفة، التي تشكل خطراً على الكفاح الفلسطيني ذاته. لم تغب الشاشات عن وداع فيتوريو، فهل يتذكر المعنيون قضية هذا الشاب الإيطالي ويوثِّقونها بالصور؟