مايقارب السبعون عاما قضاها الراحل ابراهيم خفاجي في عالم الكلمة والشعر الغنائي، بدأها بأول أغنية «ياناعس الجفن» التي لحنها وغناها – بدايةً- أنذاك المرحوم طارق عبدالحكيم، الا أن اهتمامه لم يقتصر على الشعر بل تعداه إلى فنون أخرى كالمسرح والمشاركات الجماعية. قضى حياته متنقلا بين عدة وظائف لبى رغبة تؤزه إلى التقاعد أزا فكان لها ما ارادت عام 1389 للهجرة. حياة ممتدة إبداعا وإنجازا كانت محط اعجاب وإشادة الكثير من فنانيين ومغنيين وشعراء ومتذوقين احكم رسنها - رحمه الله- بتأليفه كلمات النشيد الوطني، والتي أخذت من وقته الستة اشهر. كان لوفاته وقعها المؤثر على الجميع داخل المملكة وخارجها ، والذين بدورهم شاركوا الحياة تأبينها لهذه الأيقونة من ايقونات الشعر الغنائي ان لم تكن الوحيدة. بداية تحدث الروائي عمرو العامري فقال:« برحيل إبراهيم خفاجي ينكسر قوس العشق ويموت شاعر لا يشبه سواه، شاعر كان يستعير كلماته من أفواه الناس ، يصوغها ثم يعيدها إليهم ليلهجوا بها. إبراهيم خفاجي جاء من سرة الأرض ، من طينها ، من قراها، وشوارعها الترابية، ومن حواري مكةالمكرمة ، ومن المساحات الكبيرة للتعايش والتسامح والحب، وعندما قال الشعر قاله كخبز وماء وثيمة حب تضعها الناس على شفاهها وتكمل قهوتها وتمضي». وزاد:" إبراهيم خفاجي كتب أنشودة الوطن..نشيدنا الوطني مستلهما فيه أجمل ما في الوطن ، المجد والعليا والإيمان والكبرياء والله أكبر التي يقولها المسلمون كلهم وهم يتوجهون نحو بيت الله كل يوم، فهو شاعر الزمن الجميل جدا، زمن الفن الجميل جدا، زمن شفت صبيا وظبي الجنوب ، ومافي داعي من حنانك ، ويا ناعس الجفن ،ومربي ، وغيرها من الأغنيات التي صعدت بنا نحو ذرى العشق ولم تعد بنا وافرين وأسمعوا لو كلفتني المحبة والود طبعي ، وأي قدر جميل جعل محمد عبده يعاصر إبراهيم خفاجي ليكتب له الكلمات الحجازية وغيرها من تلك الروائع الخالدات ، اليوم يرحل الخفاجي وقد نال من التكريم أعلاه ومن التقدير ما يستحق وسيظل خالدا ينشد كلماته الأطفال كل صباح، ورحم الله إبراهيم خفاجي". واعتبر الشاعر فرحان الفيفي الراحل خفاجي «البصمة الفارقة في تاريخ المملكة العربية السعودية، والقلم المشارك والبارز في صناعة الوجدان السعودي، فخفاجي الشاعر الذي يتلو كل سعودي وسعودية بنات قلبه حبا ووفاء للدين والمليك والوطن، خفاجي فارقنا ولكنه لم ولن يرحل». من جانبه تمنى الدكتور سعود المصيبيح «أن تُضاف سيرته وعطائه وقصة كتابته للنشيد الوطني إلى مقرر التربية الوطنية ، لكي تعرف الأجيال أحد مبدعي هذا الوطن». وأفاد«سيكون هناك بحول الله – وكا وردني من وزير التربية والتعليم- عملا يُجسدُ الوفاء لهذا الرجل رحمه الله». وعدد الناقد والباحث الفني محمد سلامة جانبا من الراحل ابراهيم خفاجي، «ابراهيم خفاجي تاريخ متحرك وليس شاعرا غنائيا فقط، فكان مؤرخا وحافظا للتاريخ بانواعه شعريا وفنيا ورياضيا، اضافة الى التاريخ الفني والحركة الغنائية في المملكة العربية السعودية وصاحب معلومات تاريخية ومن قبل تاريخ المملكة، وبلغ من البراعة رحمه الله بتقديم كلماته ملحنة ، أو يقدمها مقترحا المقام الموسيقي المناسب لها ، لاسيما رحمه الله صاحب المام بالألوان الفنية التراثية القديمة ، فكان بحق مدرسة متنوعة في التاريخ والشعر والغناء». بدوره قال الناقد الفني يحيى زريقان:«بوفاة ابراهيم خفاجي خسرنا تلك الشجرة المثمرة، وكاتب النص الجميل ،والعزاء للذين تتلمذوا على يديه، واستسقوا من فنه. ابراهيم خفاجي سيظل ذاك الشخص الرمز وان خسرناه سيظل في اعماقنا موجودا، وقد لايعلم العديد ان الراحل ابراهيم خفاجي بدأ نصوصه بالفصحى ومن ثم انتقل للشعبي فكان ان انجز لنا لغةً جمعت بين الشعبي والفصيح خفيفة ظل في ابعادها،فكان متميزاً وبارعاً». في ذات الوقت وصفت الشاعرة أشجان هنيدي الراحل بالقيمة والقامة السعودية الكبيرة "ويكفيه فخرا إنه شاعر النشيد الوطني السعودي وهذه بحد ذاتها يتمناها كل الشعراء، والحمد لله أن الشاعر الخفاجي كُرم في حياته - وهذا المطلوب- لمن هم في مثل وحجم واسم كالخفاجي، وسيظل اسمه حيا لايموت ، وسيظل في ذاكرة الوطن ومُحبيه من عُشاق الكلمة الجميلة الهادفة ذات المعنى ، ولفته كريمة هذا الإحتفاء به سواء صحفيا أو إذاعيا أو تلفزيونيا، رحم الله أستاذ الكلمة الجميلة التي تطرب لها الذائقة التي أسهمت ومازالت تُسهم في إثراء الساحة الفنية السعودية". الراحل ابراهيم خفاجي حياة مليئة بالاهتمامات الفنية أو كما قال الطبيب والكاتب محمد ديريه «رحلة عريضة في حياة طويلة، مليئة بالعذوبة والكلمات التي يتخطفها الفنانون قبل الملحين , كان يتبع الايقاع جيدا بعد أن يخلقه , لذا كانت نصوصه مبللة الأطراف دائما كان رجل الدولة وابنها، قطعها من شمالها إلى جنوبها وهو ابن الغربية وساكن نجد , وتنقل في وزاراتها، وعمل مستمعا في الاذاعة ليرحل وقد استمع اليه الجميع مغنى محمولا على صوت أبنائه الفنانين من كل جهات المملكة العربية السعودية، كان دقيق الملاحظة كشخصية محاسب ومفتش مركزي، لولا دقة ملاحظته في التفاصيل الصغيرة لما وجدت رائعة «مثل صبيا في الغواني ما تشوف»، وقد كان الود طبعه لذا كان يدعو محمد عبده وطلال مداح الى سلام شامل دائم كي يزهر الوسط الفني أكثر»، مضيفا أنه «نادراً ماخلى لقاء اعلامي مع المرحوم ابراهيم خفاجي إلا ودعى للاهتمام بالمسرح سيد الفنون. لا أدري سر ولع الشعراء بالمسرح، لكني أظن أن مسرحا كاملا يسكن رأس كل شاعر، فيعطي الأدوار، ويختصر الحوارات، ويرفع الايقاع، ويضيء وسط حرف مد حتى يتأوه عاشق في طرف القاعة، لقد كان المسرح حيثما تم الاهتمام به رافدا لباقي الفنون وربما، وأقول ربما – دائما - لو عاش ابراهيم خفاجي أكثر لاستمر في الدعوة إلى اعطاء المسرح حقه في الساحة السعودية، يتقدم السعوديون كثيرا في الغناء على مستوى الخليج، لكن يبدو أن شيئا ما يعيق توجه الموهوبين للمسرح، وعودا على فقيد النشيد الوطني والراية الخضراء، فقيد الكلمة التي تؤشر اليها وتقول: هذه المفردة سعودية لكن من الصعب معرفة جهة قائلها، انظر اليه في رائعته التي أعشقها شخصيا – الود طبعي - وهو الحجازي القائل: وعيا الطبع لايخرج من الروح، كثيرون يسافرون الى جهات كثيرة في هذه الجملة، لكنهم لايندهشون كثيرا عندما يكتشفون أنها لابراهيم، لقد كان الفتى مستمعا جيدا في الاذاعة بداية حياته، طاف في اللهجات، وسمع في سن مبكرة ماسيطوع له عنان الرفاق كي يبتسم لهم قائلا بعد كل نص جديد : تصدق ولا أحلف لك».