تضاعف الحكومة الصينية ضغطها على كل أشكال الانشقاق السياسي فيما يقترب نظام معمر القذافي من نهايته. هل ستنتشر «ثورات الياسمين» العربية كالعدوى؟ يدعو توتر السلطات (الصينية) الى طرح بعض التساؤلات. أما من وجه شبه بين الصين والشرق الأوسط؟ الفوارق بين الوضع في المنطقتين واضحة. لقد اجتاز الشرق الأوسط صعوبات اقتصادية وأزمة اجتماعية خطيرة، فيما «تبحر» الصين في قمة ثلاثة عقود «مجيدة» بعد الخروج من الفقر، ومن الإثراء ومن الارتقاء إلى القوة الدولية. وفيما يحكم الشرق الأوسط ديكتاتوريون، يقود الصين «مجلس إدارة»، مطوعاً طبعاً، لكنه يخضع للتجديد بانتظام. الأول نخرته حركات المعارضة، السرية غالباً، فيما منع الثاني ظهور أي قوة اعتراض منظمة. لهذا السبب بدت المجتمعات العربية متشائمة في أكثر الأحيان، في حين أن المجتمع الصيني متفائل. على رغم ذلك، من حق قيادة الحزب الشيوعي الصيني أن تقلق. لقد جذب الربيع العربي اهتماماً حقيقيا في الصين، خصوصاً في أوساط الشباب. وتخشى السلطة خشية جلية من إمكان الانصهار بين المطالب الديموقراطية من قبل جهة تستلهم أفكارها من الخارج، وبين الضرورات الاقتصادية والاجتماعية الملحة المتجسدة في المطالبة بحكم صالح، تتعزز كل يوم. في واقع الأمر، يحفر الفساد الذي لا يجد علاجاً ومحاباة الأقارب المتزايدة لدى الطبقة الشيوعية الحاكمة، عميقاً وعلى نحو لا سابق له حفراً للظلم والتفاوت الاجتماعيين، وللارتفاع السريع لتكاليف الحياة وتفاقم البطالة وخصوصاً بين حملة الشهادات الجامعية، الذين باتوا يشكلون بؤراً معروفة ودائمة للتوتر الاجتماعي. وأثناء الاجتماع الأخير للجمعية الشعبية الوطنية (البرلمان الصيني) (في آذار/مارس 2011) أرغم رئيس الوزراء ون جياباو على تقديم إجابات على الصعوبات المذكورة. وتدعو الخطة الخمسية المقبلة (2011 - 2015) على سبيل المثال الى تأمين تسعة ملايين فرصة عمل كل عام وإلى تسريع البناء السكني (36 مليون وحدة سكنية خلال خمس سنوات) وإلى السيطرة على التضخم وإبقائه تحت نسبة الأربعة في المئة وإلى زيادة الحد الأدنى للأجور بمعدل ثمانين في المئة وبتوسيع أنظمة التأمينات الصحية والشيخوخة في المدينة والريف. بيد أن قيادة الحزب الشيوعي تظل، في الحصيلة، تتمتع بامتياز الحفاظ على «أمن صلب» لا يعاني من أي احتجاج منظم. ومنذ شباط (فبراير)، أبعد عن الأنظار ما يزيد عن مئة من الناشطين المعروفين أو «المشبوهين المعتادين». فالمجتمع المتناغم الذي تريده أكثرية المسؤولين الصينيين، هو مجتمع «حُمل على التناغم» وفق إرادة مسؤولي الحزب، على ما تقول العبارة السائرة للمعمار آي ويوي المعتقل حالياً. بيد أن مشروع الاستقرار الذي يدفع الى مستقبل غير منظور كل انفتاح سياسي حقيقي، ألا يغذي التوتر بين السلطة وبين المجتمع؟ إن عدداً متزايداً من الخبراء الصينيين ومن بينهم عالم الاجتماع الشهير يو جيانرونغ، يعتقد ذلك. ويراهن الحزب الشيوعي المستفيد من قدرته على الاستفادة من الضعف البنيوي للحركة الديموقراطية، على أنه الأفضل للاحتفاظ بالسلطة. في غضون ذلك، يتعولم المجتمع الصيني ويعي شيئاً فشيئاً أن بلداناً أخرى في طور النمو ولا تنتمي الى الثقافة الغربية قد نجحت في الانتقال الى الديموقراطية. ما زال الصينيون الذين يطرحون سؤال «لم ليس نحن؟» أقلية، على الأرجح. لكن سيكون مذهلاً أن عددهم ينقص بدلاً من أن يزيد. بكلمات أخرى، إن «ثورة الياسمين» لن تتحقق اليوم لكن المستقبل السياسي للصين سيبقى مفتوحاً أكثر من أي وقت آخر. أما الآن، وفيما تباشر البلاد انتقالاً صعباً من الاقتصاد المتمركز حول التصدير الى اقتصاد يقدّم الاستهلاك، يمكننا الانتباه الى تنامٍ في التوترات الاجتماعية التي حملت السلطة على مضاعفة جهودها للتكيف مع الواقع الذي كانت هي أبرز بُناته. * كاتب، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 12/4/2011، إعداد حسام عيتاني.