«الفكرة كلها أن نبيع البيت الذي ولدنا وتربينا فيه... مجرد فكرة إن هذا البيت لم يعد موجوداً تجعلني أطير»، تقول ريم في معرض إقناع أختها ناديا، خلال سجال حاد بينهما، ببيع بيت العائلة الذي ورثته الفتاتان وأخوهما عن والديهم، وهو من بيوتات بيروت القديمة والعريقة. هنا تحضّنا جيسي خليل بأدائها المقنع لشخصية ريم على التفكير في الحيثيات التي زرعت شعوراً غامضاً كهذا في ذاتها. فيما تبقى يارا أبو حيدر، بأدائها الآسر لشخصية ناديا، الفتاة المستسلمة المتمسكة بالماضي الذي كانت هي من ضحاياه، وعلى رغم ذلك تعيش أسيرة رفضية الثورة عليه. فتركيبتها السيكولوجية لعبت دوراً في أن تكون هي الفتاة التقليدية التي تسلّم بكل ما تربَّت عليه، وبقدرها الذي جعلها فتاة وحيدة كانت تقطن مع أمها المتوفاة الآن، عازية ذلك إلى «القسمة والنصيب». واللافت أن الأم والأب الحاضرين الغائبين في المسرحية يرسّخان وجودهما من خلال شخصيات الأولاد الثلاثة التي لعبتها خليل وأبو حيدر ومعهما الأخ المسالم الذي يؤدي دوره الممثل طارق يعقوب، بحرفية عالية، جعلتنا نتحسس مأساة هذه العائلة ونشاركها حزنها المركّب على الأم في أربعينها، وعلى الأب الذي قضى في قذيفة أصابته. «لو ما كنتِ هلقد غنوجة يمكن بيك كان بعده عايش»، تردد ريم هذه العبارة على لسان أمها بكثير من السخط والألم اللذين يجعلاننا نتخيّل الأم أمامنا تلقي باللوم على ابنتها الطفلة ذات السنوات السبع آنذاك. فريم إذاً تودّ أن تتخلّص من وزر الماضي على حياتها، والذي كان وجود هذا البيت يرسّخه أكثر فأكثر، عكس ناديا المستسلمة التي ترفض أن تبيع البيت وتعيش خارجه. وهنا ينشأ صراع حاد بين الاختين، فيما الأخ يتأرجح بينهما إلى أن تختار ناديا أن تخصّه بحصتها من البيت شرط أن تعيش فيه طيلة حياتها، الأمر الذي يجعل بيع البيت مستحيلًا. وهنا تلجأ الأخت ريم إلى «العنف» للتخلّص من العبء الذي يشكّله وجود المنزل على حياتها، فلا شكّ في أن هذا البيت يذكِّر ريم بشعورها بالذنب الذي لازمها ونجحت أمها في ترسيخه بداخلها أكثر فأكثر. فضلاً عن سيئات الأم التي، على رغم كرهها المتوارث للرجال بشكل عام، وتنكيد «حياة» زوجها قبل وفاته، عاشت حدادًا دائمًا عليه أرخى بظلاله على علاقتها بريم وجعلها تفتقر إلى المودة لتبقى قائمة على اللوم الدائم. «نكدتلي حياتي. ما عشت نهار سعيدة»، تقول ريم. وكما أسلفنا تختار ريم أن تلجأ إلى «العنف» في المواجهة فتستعين بالتنظيم المدني محرّكة ملف البيت الذي كان من المفترض أن يُهدَم ليمرّ أوتوستراد في وسطه. تعود ريم التي سافرت إلى قطر بمهمة عمل لبضعة شهور لتجد أختها ناديا توضّب أغراضها. يكون لقاؤهما ودوداً في البداية، وهنا تلعب الكاتبة على وتر المتناقضات في العلاقة بين الأختين، إلى أن تبوح ناديا بأنها غير نادمة على معارضتها بيع البيت منذ سنتين، على رغم ما فقده الإخوة من قيمته المادية بحيث ستدفع الدولة أقل من نصف ثمنه. عندها تنفجر ريم غاضبة وتعترف لأختها بما فعلت مع «صاحبها الشيعي» الذي غادرت المنزل منذ وقت طويل من أجله، كما يتهمونها، وهو من ساعدها في قضية التنظيم المدني. نجح الممثلون ومعهم مخرجة المسرحية وطاقم عملها في استحضار شخصيتي الأم والأب، كما أسلفنا، كونهما يُعتبران محوريين في تكوين المركَّب النفسي لشخصيات هذه المسرحية، إذ أحسسنا أنّهما ماثلان أمامنا ورأينا تبعات ذلك على تصرّفات كل من الأبناء. المسرحية، التي عُرِضَت على خشبة KED، من تأليف أرزة خضر وإخراج كارولين حاتم. وتتنقل المسرحية في الأيام المقبلة، بين مناطق لبنانية مختلفة، لتعود بعدها إلى «مسرح المدينة» في بيروت.