صعقت نتائج دراسة أعدها المعهد الوطني للصحة العامة في رام الله، بالتعاون مع وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية في فلسطين، ومكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والوكالة الكورية للتعاون الدولي، المجتمعَ الفلسطيني، بعدما تضمّنت أرقاماً خطيرة عن تعاطي المخدرات في فلسطين: 26500 شخص يتعاطون المخدرات في شكل خطر في فلسطين، أي عبر حَقن مخدرات أكثر خطورة من «الحشيش» و «حبوب الهلوسة» و «الماريوانا»، فيما يتعاطى 16453 في الضفة الغربية في شكل رئيسي الحشيش والماريوانا الصناعية. وفي غزة، يتعاطى 10047 شخصاً في شكل رئيسي الترامادول والليريكا. ومما ظهر في الدراسة أن هناك 1118 شخصاً من أصل 26500 يتعاطون المخدرات بالحقن، 81 في المئة منهم بدأوا بالتعاطي تحت سن ال18 سنة. وحوالى 50 في المئة من الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات في شكل خطر لديهم علاقات جنسية مع أكثر من شريك واحد، وهو ما أثار حفيظة كثر على واقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، حتى إن بعضهم شكك بما ورد في الدراسة، على رغم الجهات الموثوق بها القائمة عليها. كما أظهرت أن حوالى 50 في المئة من الذين يتعاطون المخدرات في شكل خطر يستخدمون أكثر من نوع مخدرات، وأن معظم المدمنين لا يلجأون إلى العلاج من المخدرات التي لا تؤخذ بالحقن. بالإضافة الى ذلك، بينت الدراسة أن 94 في المئة من الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات في شكل خطر يدخنون السجائر أو النارجيلة، و52 في المئة منهم في الضفة و3 في المئة منهم في غزة شربوا الكحول على الأقل مرة واحدة. وأكد وزير الصحة الفلسطيني جواد عواد أن المخدرات مشكلة سياسية صحية اقتصادية اجتماعية. فالسياق السياسي الاقتصادي الفريد في فلسطين، أوجد ظروفاً ميسِّرة لانتشار استخدام المخدرات وتعاطيها بين الفلسطينيين، فجاءت هذه الدراسة لتعوض النقص في البيانات والمعلومات عن انتشار الاستخدام الخطر للمخدرات بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك لتكون البيئة مناسبة لوضع السياسات المتعلقة بهذا الموضوع. والمقصود بالسياق السياسي هو عدم سيطرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على الكثير من الأراضي المحتلة في عام 1967، والتي هي مرتع لتجارة المخدرات، كونها تحت السلطة الإسرائيلية، وكون سلطات الاحتلال غير معنية بمكافحة هذه الآفة بين الشباب الفلسطيني. أما مديرة المعهد الوطني للصحة العامة رند سلمان، فأكدت أهمية الحد من ظاهرة المخدرات أولاً والعمل على توفير العلاج اللازم للمدمنين في فلسطين ثانياً، موضحة أن وصمة العار المتعلقة بموضوع المخدرات إلى جانب التحديات الاجتماعية الأخرى، شكلت تحدياً كبيراً لفريق المعهد خلال جمعه للبيانات والمعلومات من المتعاطين. وأشارت مسؤولة برنامج التوعية في جمعية الصديق الطيب لمكافحة المخدرات عفاف أبو ربيع إلى أنّ «هناك ارتفاعاً رهيباً في حجم تعاطي المخدّرات في الضفّة الغربية»، وقالت «إن هذه ظاهرة اتضحت معالمها في الفترة الأخيرة وأخذت منحى آخر عما كانت عليه في السابق، فخلال الأربع سنوات الأخيرة كان هناك تعامل مع مواد مخدرة كيمياويّة يتمّ تصنيعها منزلياً، وهي تعتبر من أخطر أنواع المخدرات». وأضافت: «إن الأخطر من ذلك هو تغير جيل المتعاطين، فحاليّاً هناك الكثير من المتعاطين من الجيل الأصغر ويبلغون من العمر بين 11 و14 سنة، إضافة إلى تغير مناطق التعاطي، إذ كان التركيز في السابق على مناطق القدس، فيما انتشرت الظاهرة راهناً إلى كل الضفّة الغربيّة، وتوسع منحى التعاطي من المستوى الفردي والمحدود إلى منحى التعاطي على مستوى كبير وزراعة المخدرات». وتشير دارسة لمركز الإحصاء الفلسطيني، أعدت لمصلحة مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدّرات والجريمة عام 2007، وتم تحديثها عام 2011، إلى أنّ هناك حوالى 80 ألف متعاط ومدمن في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدسوغزة. وفي هذا السياق، قال الناطق الرسمي باسم الشرطة الفلسطينية المقدم لؤي ارزيقات: في السنوات التي تلت هذه الدراسة، ارتفعت الأرقام في شكل ملحوظ. واستدل على ذلك من الأرقام المتوافرة لدى الشرطة الفلسطينية، لافتاً إلى أنّه خلال الربع الأول من عام 2015، فاقت كمية المخدّرات الّتي ضُبطت ما ضبط في عام 2014 كاملاً. وبالأرقام، ففي عام 2014، ضبط 65 كلغ من المواد المشتبه بأنّها مخدرة، بينما خلال الربع الأول من عام 2015 ضبط 250 كلغ. وعزا ارزيقات الارتفاع إلى عدد من الأسباب، أهمها قدرة الشرطة على ملاحقة تجار المخدرات ومروجيها والوصول إلى المعلومة من خلال توفير إمكانات وتدريب ضباط الشرطة، إلى جانب تعاون المواطنين مع الشرطة. وكشف توجه تجار المخدرات إلى زراعتها في الضفة الغربية، حيث تتوافر البذور والأسمدة والأماكن المخصصة للزراعة والتقنيات، ولفت إلى أن هذه الزراعة «تحتاج إلى رأسمال كبير، لذا نجد في الكثير من الأحيان فلسطينيين متورطين في هذه الزراعة من داخل الأراضي المحتلة عام 1948، فضلاً عن أن هناك شركاء إسرائيليين يمولون هذه المشاتل، والهدف من ذلك هو المال في الدرجة الأولى». ولعل أهم أسباب التوجه إلى زراعتها محلياً هو تخفيف التكاليف وسهولة التوزيع في مناطق «جيم»، التي تتسم «بميوعة أمنية» بسبب السيطرة الأمنية الكاملة عليها من جانب قوات الاحتلال، التي تتحكم بإعطاء الأجهزة الأمنية فرصة التّنسيق للعمل فيها. وفي قضايا المخدرات، تتعمد سلطات الاحتلال عدم السماح للأمن الفلسطيني بالعمل فيها، وفق ارزيقات. ويعتبر القانون من المشاكل أيضاً، فقد لفت ارزيقات إلى أنّ المعمول به في فلسطين هو القانون الأردني الذي يعود إلى ستينات القرن الماضي، والذي قد يحول دون تشديد العقوبات على تجار المخدرات، كاشفاً أن العمل جارٍ على قانون فلسطيني رادع.