سعى الرئيس الأميركي الذي أنهكته معركة الموازنة التي خاضها مع خصومه في الكونغرس، إلى طمأنة قاعدته الديموقراطية مع كشفه لاستراتيجية الموازنة استعداداً لسباق الرئاسة العام المقبل. وقد حال توصل أوباما إلى اتفاق في اللحظات الأخيرة مع الجمهوريين الذين لا يزالون فرحين بالمكاسب الهائلة التي حققوها في انتخابات منتصف الرئاسة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، دون حدوث شلل في عمل الحكومة. ولكن التوصل إلى ذلك الاتفاق ترتّب عليه قبول أوباما بخفض في الموازنة وصفه بأنه «مؤلم»، اشتمل على خفض الإنفاق لعدد من مبادراته الرئيسة، ومنها اضطراره إلى إلغاء خطة لتمويل خط قطارات عالية السرعة ورفع مستوى خطوط السكك الحديد الأميركية التي تواجه مشاكل عدة، إلى مستوى نظيراتها في أوروبا واليابان، فيما شهدت وكالة حماية البيئة خفضاً في موازنتها بنسبة 15 في المئة بموجب الاتفاق الذي من المفترض أن يوفر 38.5 بليون دولار هذا العام. وأثارت التنازلات التي قدمها أوباما المخاوف بين صفوف التيار الليبرالي في حزبه الديموقراطي، الذين شعروا بالقلق على مصير برامج التأمين الصحي الحكومية لكبار السن (ميديكير) وللفقراء (ميديكايد). واستذكروا التنازلات التي قدمها الرئيس الأميركي عقب فوز الجمهوريين في تشرين الثاني عندما تراجع ووافق على تمديد الخفض الضريبي للأغنياء والذي ورثه من سلفه جورج بوش. ولم تخف نانسي بيلوسي، الرئيسة السابقة لمجلس النواب، شعورها بخيبة الأمل والإحباط. ووقع حوالى 105 آلاف شخص في الأسبوع الماضي وثيقة طرحتها مجموعة تطلق على نفسها اسم «التقدميون الجريئون»، وتحمل تحذيراً واضحاً لأوباما الذي أطلق حملة إعادة انتخابه. وعلى رغم اعترافه بأن «أي خطة جدية لمعالجة العجز في الموازنة ستستدعي منا طرح كل شيء على الطاولة»، إلا أن أوباما هاجم خطة الجمهوريين لموازنة 2012. ووصفها بأنها «رؤية متشائمة جداً لمستقبلنا» مجدداً وعده بمقاومة أي محاولات جديدة للجمهوريين لمواصلة الخفض الضريبي للأثرياء. وقال أوباما: «لا يمكن لخطة تتحدث عن خفض الموازنة بإنفاق ترليون دولار على الخفض الضريبي للمليونيرات والبليونيرات أن تكون جدية». وزاد: «ولا أعتقد أنه من الشجاعة طلب التضحية من أشخاص لا يستطيعون تقديمها وليس لهم أي نفوذ في الكونغرس. هذه ليست رؤية لأميركا التي أعرفها». وأشادت المعلقة السياسية اليسارية ريتشل مادو بتصريحات الرئيس، وذلك خلافاً للانتقادات التي وجهها له كثيرون في الشهور الأخيرة. وقالت أن تلك التصريحات «مرضية على نحو غير متوقع». وأوردت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «الرجل الذي انتخبته أميركا رئيساً عاد إلى الظهور». ورأى توماس مان من معهد بروكنغز أن أوباما يريد إقناع الأميركيين، وليس فقط أنصاره المخلصين الذين وجّه لهم وعوداً مماثلة قبل المعارك الجديدة مع الجمهوريين، بأنه في الجانب الصحيح من التاريخ. وقال: «من المرجح أن يأخذ الجمهوريون سقف الديون وموازنة 2012 رهينة لتعزيز قبضتهم. ولكن من غير المرجح أن يبالغوا في استخدام هذه القبضة إذا اعتقدوا أن الناخبين يمكن أن يعاقبوهم على ذلك».