اعتبر رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري «أن خيار التريث يتيح في مكان ما فرصة لجميع الأفرقاء السياسيين للتأكد من أن النأي بالنفس عن كل ما يحصل من حولنا هو السياسة الأساسية التي تحمي لبنان من أي مشكلات في المنطقة»، مؤكداً أن «هذا الخيار هو لمصلحة البلد». وشدد على وجوب ألا تكون هذه السياسة «على حساب أشقائنا العرب، وإلا فإنه سيكون لنا موقف آخر»، في وقت تمنى السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسبكين بعد مقابلته الحريري في منزله أمس، «النجاح للمشاورات» التي تجري على خلفية تريث الحريري. وقال زاسبكين بعد الاجتماع مع الحريري: «روسيا قدرت عالياً خلال الفترة الماضية موقف الشعب اللبناني وتلاحمه مع الرئيس الحريري أثناء وجوده في المملكة العربية السعودية». وشدد على وجوب «الوصول إلى اتفاقات للحفاظ على العمل الطبيعي للحكومة ولمؤسسات الدولة لكي يكون فاعلاً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية تمهيداً للانتخابات النيابية المقبلة، وحتى يكون القرار اللبناني من دون تدخلات خارجية لمصلحة الأمن والاستقرار». وعن دور روسيا في هذه المرحلة بعد تدخل عدد من الدول لا سيما فرنسا ومصر وقبرص، قال زاسبكين: «إذا كان المقصود بالمساعدة من دون تدخل في الشؤون الداخلية فهذا شيء والتدخل فهو أمر آخر. نرى أن فرنسا ومصر لم تتدخلا في الشؤون الداخلية بل كانت مساعدة ووساطة لتسهيل الأمور، ونحن في الجزء المتعلق بقدراتنا جاهزون للمساعدة». وعما إذا سمع من الحريري أن الحكومة ستستأنف اجتماعاتها، رأى أن «هذا الأمر سابق لأوانه، نتمنى نتائج إيجابية للمشاورات وهذا هو موقف روسيا من حيث المبدأ، عندما نتحدث عن التحالف الحاكم فنفضل للبنان تقليدياً أن يشمل عدداً أوسع من الأحزاب». وكان الحريري التقى رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لدى لبنان السفيرة كريستينا لاسن، التي وزع مكتبها الإعلامي بياناً تضمن ترحيبها «بعودة الحريري إلى لبنان وأملت في حوار بنّاء بين الأطراف السياسيين يرتكز على فهم مشترك لأهمية استقرار البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها وسيادتها. وأشادت بجهود الحريري لصون استقرار لبنان وأمنه». وشددت على «أن استقلال لبنان واستقراره أولوية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي وسط الاضطرابات الإقليمية»، لافتة إلى أنه «سيتابع العمل مع لبنان للبناء على الإنجازات التي تم تحقيقها، بما في ذلك إجراء الانتخابات النيابية في موعدها العام المقبل وسنتابع دعمنا للمؤسسات والجيش والأجهزة الأمنية. فالتزامنا بدعم لبنان ثابت ودائم». والتقى الحريري نائب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني. وفد دار الفتوى وكان الحريري قال أمام وفد كبير من مفتيي المناطق والمحافظات وقضاة الشرع وأئمة المساجد والمشايخ، زاروه مساء أول من أمس، برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان: «علينا أن نتحاور جميعاً لكي نصل إلى بر الأمان ونحافظ على سلامة هذا البلد وسلامة اللبنانيين، وعلى علاقاتنا مع كل الدول العربية الشقيقة التي لديها الحق أيضاً في أن تحافظ على أمنها. ونريد أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية». وقال: «دار الفتوى صمام الأمان لهذا البلد، ورفيق الحريري كان مؤمناً بهذا الدور وهو لطالما حمى هذه الدار من كل التدخلات السياسية التي كانت تحصل أيامها. قد يكون ما حصل من صدمة إيجابية بالاستقالة واليوم بالتريث، يتيح في مكان ما فرصة لجميع الأفرقاء السياسيين للتأكد من أن النأي بالنفس عن كل ما يحصل حولنا هو السياسة الأساسية التي تحمي لبنان». وأضاف قائلاً: «قد تكون بعض المنابر في بعض المساجد استعملت ضدي أنا، وليست لدي مشكلة في ذلك، لكن سياستي كانت قائمة على أمر واحد وهو حماية لبنان واللبنانيين وأهل السنة بالذات. فحين نرى ما الذي حل في سورية أو العراق من حرائق وحروب ودمار علينا أن نجنب بلدنا لبنان كل الأخطار المحدقة به، وهذا ما نقوم به». وقال: «لأهل السنة في لبنان حقوق يجب أن يحصلوا عليها كبقية الطوائف والمذاهب وكل الشركاء في الوطن، وهذا حقنا الدستوري الذي يجب أن نحصل عليه. ولكني أرفض المزايدة علي بمنطق المناطقية أو غيرها. وتأكدوا جيداً أن سعد الحريري لن يفرط بحقوق أهل السنة، وهذا واجبي الدستوري أصلاً، وهو ما أقوم به وسأقوم به. ولكن من جهة أخرى، لا نعيش وحدنا في البلد ولذلك علينا أن نتحاور جميعاً لكي نصل إلى بر الأمان». وأضاف الحريري: «لا أخاف المواجهة، وأنتم تعرفون نهجي منذ عام 2005 وحتى 2016، ولكن اليوم علينا أن نحافظ على البلد ونتحاور لأن الجميع يرغب في الاستقرار والأمان». وشدد على التمسك ب «وحدتنا وأن يبقى أهل السنة موحدين». وكان المفتي دريان أشاد بالحريري «المؤتمن على مصالح الوطن العليا وعلى عروبة لبنان والعلاقات الطيبة مع أشقائه العرب». ووصف رجال الدين الذين يرافقوه بأنه «مشايخ الاعتدال والوسطية والكلمة الطيبة». وقال: «أتينا لنقول لك نحن معك في مواقفك الوطنية، وتفهمنا جيداً أمر الاستقالة وأسبابها». وقال: «نريد أطيب العلاقات مع الدول العربية الشقيقة التي وقفت مع لبنان في أيام أزماته ونحن الأوفياء لهذه العلاقات الطيبة، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية، مملكة الخير. نحن مع مصلحة لبنان أولاً وسياسة النأي بالنفس وعدم إدخال الوطن في المحاور الإقليمية».