فاجأ رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بموقفه الذي فاق كل توقع، الوسطين الرسمي والشعبي في لبنان، بإعلان تريثه في تقديم استقالته، من القصر الجمهوري إثر لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، تجاوباً مع تمني الأخير عليه بعدما عرض عليه استقالته، الاحتفاظ بها لمزيد من التشاور. وأشار الحريري إلى أن «وطننا يحتاج في هذه المرحلة الدقيقة إلى جهود استثنائية من الجميع لتحصينه، وفي مقدمها وجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن النزاعات الإقليمية». وجاء إعلان الحريري بعد انتهاء الاحتفال بعيد الاستقلال الرابع والسبعين الذي تخلله عرض عسكري أقامته قيادة الجيش في جادة شفيق الوزان في بيروت، ترأسه عون عند التاسعة من صباح أمس، وتميز هذه السنة بارتداء ضباط الجيش المشاركين وعناصره، للمرة الأولى، البزة العسكرية الجديدة، إضافة إلى تحليق طائرات «سوبرتوكانو» التي حصل عليها الجيش أخيراً في سماء المنطقة، ومشاركة مدرعات من طراز «برادلي». وحضر الاحتفال إلى جانب رئيس الجمهورية، كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الرئيس الحريري، الرئيس أمين الجميل، الرئيس ميشال سليمان، عقيلة الرئيس الشهيد رينيه معوض النائب السابق نايلة معوض، الرئيس حسين الحسيني، الرئيس فؤاد السنيورة، الرئيس تمام سلام، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، ووزراء ونواب حاليين وسابقين وممثلي المقامات الروحية وممثلي البعثات الديبلوماسية المعتمدين في لبنان وممثلي الجسم القضائي والإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والهيئات الاقتصادية والاجتماعية والنقابية والأهلية وقادة الأجهزة الأمنية وكبار الضباط والمدعوين. وتغيب الرئيسان إميل لحود ونجيب ميقاتي بداعي السفر. ولدى وصول عون، كان في استقباله وزير الدفاع وقائد الجيش ورئيس الأركان، وعزفت له الموسيقى لحن التعظيم والنشيد الوطني، وأطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة ترحيباً، ثم توجه إلى النصب التذكاري لضريح الجندي المجهول حيث وضع إكليلاً من الزهر وعزفت الموسيقى معزوفة تكريم الموتى ولازمة النشيد الوطني ونشيد الشهداء. وبعدما حيا علم الجيش، صعد ووزير الدفاع إلى سيارة جيب عسكري مكشوف وخلفهما قائد الجيش، واستعرض الوحدات المشاركة، ثم حيا المشاركين في الاحتفال. ولدى وصوله إلى المنصة الرئيسية صافح رئيس الجمهورية بري وعانق الحريري قبل أن يجلس على المقعد المخصص له. وافتتح العرض العسكري بتشكيل من الطوافات العسكرية التي حملت الأعلام اللبنانية وعلم الجيش، وأطلق بالونات بألوان العلم اللبناني فوق مكان الاحتفال، الذي شهد عرضاً لمختلف صنوف الوحدات المؤللة والراجلة، فيما نفذت سفن تابعة لسلاح البحرية عرضاً في القاعدة البحرية على مراحل متقطعة. وبعد انتهاء العرض العسكري، غادر رئيس الجمهورية إلى القصر الجمهوري لتقبل التهاني مع بري والحريري اللذين غادرا معاً إلى قصر بعبدا في سيارة واحدة من مكان الاحتفال، قادها الحريري بنفسه، حيث عقدوا اجتماعاً ثلاثياً جرى خلاله عرض التطورات الأخيرة، ثم غادر بري اللقاء ليستكمل النقاش في خلوة ثنائية بين الرئيسين عون والحريري. وبعد انتهاء اللقاء وإعلان الحريري موقفه، انتقل الجميع إلى قاعة 25 أيار، التي غصت بالمهنئين بعيد الاستقلال، من رسميين وسياسيين وروحيين وديبلوماسيين عرب وأجانب وإعلاميين وعسكريين ونقابيين واقتصاديين ومصارف وهيئات قضائية كشفية واجتماعية وأهلية ومديري المنظمات الإقليمية والدولية، و «يونيفيل». وحضر القائم بالأعمال السعودي الوزير المفوض وليد بخاري، باعتبار أن سفير المملكة العربية السعودية الجديد في لبنان وليد اليعقوبي لم يؤد القسم بعد أمام رئيس الجمهورية. الحريري تجنب مصافحة السفير السوري وخلال تقبل الرؤساء الثلاثة التهاني في قصر بعبدا، غادر الحريري مكانه، وعقد لقاء جانبياً لدقائق عدة مع وزير الخارجية جبران باسيل ووزير المال علي حسن خليل ووزير الزراعة غازي زعيتر، قبيل وصول السفير السوري علي عبد الكريم علي لتقديم التهاني، وذلك تجنباً لمصافحته. وعلى هامش الاستقبال، لوحظ انعقاد اجتماع جانبي في أحد مكاتب القصر الجمهوري بين الوزير باسيل والوزير غطاس خوري ومدير مكتب الرئيس الحريري، نادر الحريري. موقف الحريري وعند الحادية عشرة والنصف، وقبل تقبل التهاني، خرج الرئيس الحريري إلى البهو الداخلي للقصر وأدلى بالبيان الآتي: «تشرفت بلقاء فخامة الرئيس ميشال عون في هذا اليوم الذي نجتمع فيه على الولاء للبنان والوفاء لاستقلاله. وكانت مناسبة لشكر الرئيس على عاطفته النبيلة وحرصه الشديد على حماية الاستقرار واحترام الدستور، والتزام الأصول والأعراف، ورفضه الخروج عنها تحت أي ظرف من الظروف». أضاف: «إنني أتوجه من هنا، من رئاسة الجمهورية، بتحية تقدير وامتنان إلى جميع اللبنانيين، الذين غمروني بمحبتهم وصدق عاطفتهم، وأؤكد التزامي التام التعاون مع فخامة الرئيس لمواصلة مسيرة النهوض بلبنان وحمايته بكل الوسائل الممكنة من الحروب والحرائق المحيطة وتداعياتها، على كل صعيد. واسمحوا لي أيضاً بأن أخص بالشكر دولة الرئيس نبيه بري الذي أظهر حكمة وتمسكاً بالدستور والاستقرار في لبنان وعاطفة أخوية صادقة تجاهي شخصياً». تجديد التمسك بالطائف والعلاقة مع الأشقاء وتابع: «لقد عرضت اليوم استقالتي على فخامة الرئيس، وقد تمنى علي التريث في تقديمها والاحتفاظ بها لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية، فأبديت تجاوبي مع هذا التمني، آملاً بأن يشكل مدخلاً جدياً لحوار مسؤول يجدد التمسك باتفاق الطائف ومنطلقات الوفاق الوطني ويعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب». وقال الحريري: «إن وطننا الحبيب يحتاج في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا الوطنية إلى جهود استثنائية من الجميع لتحصينه في مواجهة المخاطر والتحديات. وفي مقدمة هذه الجهود، وجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الحروب وعن الصراعات الخارجية والنزاعات الإقليمية وعن كل ما يسيء إلى الاستقرار الداخلي والعلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب. وإنني أتطلع في هذا اليوم إلى شراكة حقيقية من كل القوى السياسية، في تقديم مصلحة لبنان العليا على أي مصالح أخرى وفي الحفاظ على سلامة العيش المشترك بين اللبنانيين وعلى المسار المطلوب لإعادة بناء الدولة»، ورأى أن «لبنان أمانة غالية أودعها الشعب اللبناني في ضمائر كل الأحزاب والتيارات والقيادات. فلا يجوز التفريط بهذه الأمانة. حمى الله لبنان وحفظ شعبه الطيب».