بين مجموعة من الشابات.. تبخترت بعباءتها المزركشة المليئة بالألوان والفصوص الملونة، تحمل في يديها حقيبتها الصغيرة الشبابية الملونة باللون الفوشي، وأصابع يديها مثقلة بالخواتم الكبيرة والصغيرة الملتصق بها بعض صور الفنانات، أما طلاء أظافرها فقد اختارت منه لونين واحد يحمل لون الحقيبة والآخر يحمل لون التطريز الذي بعباءتها.. تمشي في السوق دون أن تنسى أن تجلجل بضحكتها كما المراهقة، وحينما يسير بجوارها شاب مراهق في سن ابنها الصغير تنظر إليه بتمنع، وتطلب منه أن لايعاكسها مع من برفقتها واللواتي هن بناتها دون أن يدري أحد فتصرخ عليه بدلال: ابتعد من هنا.. أليس لديك أخوات تخاف عليهم؟. إنها باختصار المرأة الخمسينية أو الستينية المتصابية.. والتي تحب أن تعود إلى مراهقتها ولكن بعد فوات الأوان، فتبدي الكثير من السلوكيات غير المقبولة اجتماعيا تمردا على قطار عمرها الذي مر سريعا وتركها تقبع عند مقعد الانتظار!. ظاهرة مستمرة زاد كثيرا وجود المرأة المتصابية في المجتمعات النسائية، فقد أصبح هناك المرأة الكبيرة في السن ولكنها أصبحت عصرية بما لايتناسب مع مرحلتها العمرية ليس فقط في طريقة اختيارها لثيابها وأشيائها الخاصة وفي تسريحة شعرها، بل كذلك في طريقة تفكيرها وفي سلوكياتها التي أصبح الكثير ينتقدها ويوجه لها أصابع الاتهام بأنها سلوكيات غير مسؤولة.. تنتقد سعاد الإسماعيل ذلك النوع من النساء اللواتي يخرجن عن دائرة طبيعة سنهن؛ فيعدن إلى الخلف بسلوكيات قد تخجل أن تقوم بها بعض الشابات من النساء، فقد شاهدت كثيرا نساء يقمن بارتداء الثياب المخجلة التي لا تتناسب مع مرحلتهن العمرية، ويتحدثن بطريقة الفتاة الشابة، وكأن تلك المتصابية كما عبرت بذلك تصر أن تبقى في عداد الشابات بما يسيء إليها وإلى أبنائها وربما زوجها، فترتدي التنورة القصيرة الملونة بطريقة شبابية، وتضع الماكياج الصارخ الشبابي، وربما علقت جهاز الجوال على عنقها بسلسلة من ذهب أو فضة كما تفعل الفتاة المراهقة، فتخفض صوتها وتقوم بتنعيمه وتغنيجه، وربما ادعت بأنها تتعرض كثيرا للمعاكسات المزعجة من شباب الحي، أو متطفلي الأسواق، فتبدي انزعاجها لكنها في أعماقها تسعد حينما تتعرض لمثل تلك المعاكسات الشبابية ممن هم في سن أبنائها، وتلك سلوكيات كثيرا ما تنتقد من قبل هؤلاء النساء اللواتي يعتبرهن المجتمع بأنهن يعانين من خلل نفسي كبير خاصة بأن المرأة لابد أن تتصرف بما يتوافق مع مراحلها العمرية وأن تعيش جميع مراحل حياتها بما يتناسب مع مرحلة سنها وذلك هو الطبيعي. شباب القلب! وترفض "فوزية" إحدى الخمسينيات المحبات للموضة والتغير أن يطلق عليها متصابية، حيث ترى بأن الشباب شباب القلب -على حد تعبيرها- وترى بأن المرأة لابد أن تبقى دائما محتفظة بتألقها وعنفوانها حتى تموت وليس للسن علاقة في ذلك، فهي تهتم بارتداء الثياب الشبابية والألوان الزاهية والإكسسوارات المميزة والغريبة في شكلها غير مكترثة بتعليقات البعض ممن ينتقدن سلوكياتها وينعتنها ب"خفة العقل" أحياناً، مشيرة إلى أنها تفضل أن تكون شابة ولن تتخلى عن هذه الروح مهما وصفت بالتصابي، لأن ذلك يشعرها بالفخر والحياة رافضة أن يسمى ذلك مرضاً. ثوابت الأم لا تتغير أما " عبد العزيز السريج " فيرفض أن يرى أمه امرأة متصابية، فيرى بأن الأم لابد أن تكون هي الأم كما ميزها الله بهذه النعمة، وذلك بأن تكون المحتوية لأبنائها بكل شيء بها حتى بشخصيتها وبسلوكياتها وبشكلها الظاهري، فيحب أن يرى دائما أمه بحجاب شعرها الذي اعتادت على ارتدائه والجلوس به وهي امرأة في الستين من عمرها، وقد كانت ترفض دائما أن ترتدي الثياب ذات القماش الملون بألوان شبابية لأنها ترى بأنها لا تتوافق مع سنها، ولذلك لابد أن تكون الأم هي الركيزة الثابتة في زمن المتغيرات، وذلك ما يميز الأم عن غيرها من الأشخاص، مشيرا إلى أن بعض المتصابيات اللواتي يتحولن في الأماكن العامة إلى السخرية من قبل بعض الشباب بسبب سلوكياتهن غير المقبولة. كبت وترسبات سابقة ويشير الباحث الاجتماعي في دار الرعاية الاجتماعية بالدمام الأستاذ بشير اللويش إلى أن المرأة المتصابية تكون لديها حالات مراهقة متأخرة، ومن أهم أسبابها "الكبت" المتراكم في النفس على مر السنوات مما أدى إلى انفجارها في شخصية الفرد، سواء إناثاً أو ذكوراً، وهذا مثبت علميا، إلى جانب ترسبات اجتماعية ظهرت في الكبر على الشخص ومنهم كذلك مايؤدي إلى ممارسة الطفولة وعادات وسلوكيات لاتليق بسنه، وقد يكون هناك جفاف عاطفي من شريك الحياة مع الزمن أدى إلى الانتكاسة في ممارساتها السلوكية الخاطئة، ومن تلك السلوكيات إعجاب المرأة بمعاكسة من يصغرها سنا أو الإعجاب بمهاتفته والجلوس معه، إلا أن المجتمع بصفة عامة يمر بحالة معمعة بسبب التغير الاجتماعي السريع وبسبب العولمة والتقليد الأعمى للغرب، وهناك أصبح خليط من الثقافات، ولذلك أصبح من الطبيعي أن يكون نتائج ذلك ظهور مثل تلك الشرائح في المجتمع. وترجع الأخصائية الاجتماعية والطبية بمستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر أنيسة أحمد عبدالله السعيد أسباب سلوكيات المرأة المتصابية إلى الفترة الزمنية الماضية من مرحلة شبابها، والتي لم تستطع أن تعيشها وتستمتع بها كما يجب، وذلك غالبا مايكون بسبب ضغوطات كانت تمارس عليها من قبل الأسرة كمنعها من ارتداء الثياب بما يتوافق مع الموضة فيترك ذلك أثره بداخل نفسها حتى تصبح تتوق إلى المرحلة التي لم تعشها والتي لم تستطع أن تشبع احتياجاتها، فتتغير حياتها بعد وصولها لسن كبير فتشعر بالحرية وتمارس مالم تستطع أن تمارسه في مرحلة شبابها وتلك هي المراهقة المتأخرة، ولذلك لابد من لجوء مثل تلك النساء إلى الأقسام المتخصصة للأمراض النفسية لعلاج ذلك المرض، مشيرة إلى أن هناك نسبة كبيرة لمثل تلك الحالات حيث عرضت الكثير من الحالات لنساء متصابيات على المركز لعلاجهن، ولذلك تصل نسبتهن على مستوى المملكة إلى 70% وهي حالة متفشية في الإناث أكثر منها في الذكور وإن وجدت لدى الذكور ولكن بنسبة أقل، موضحة موقف المجتمع وأسرة المرأة المتصابية من سلوكياتها، حيث يرفض الأبناء تلك السلوكيات من الأم وربما تلجأ بعض الفتيات إلى الانحراف بسبب سلوكيات الأم الخاطئة حتى تشبع احتياجاتها المفقودة من الأم وربما ذلك مادعى بعض الأزواج إلى اللجوء إلى المركز لعرض مشكلات زوجاتهن المتصابيات لإيجاد علاج سريع لهن وتكون الزوجة محرجة من سلوكياتها فيطلب الزوج التدخل لعلاجها، أما عن فترة العلاج فتعتمد على الوازع الديني لدى المرأة المتصابية فكلما قوي الوازع الديني استغرق العلاج من سبعة إلى تسعة شهور، أما إذا كان وازعها الديني ضعيفاً ومحيطها لايستنكر سلوكياتها ولا يشجعها على الخلاص منها فقد تستغرق في العلاج سنوات، لذلك الإرادة ورغبتها في التغير هي الأهم، مشددة على ضرورة أن تترك الأسرة المجال أمام الفتاة في مرحلة الطفولة للتنفيس الواعي غير المخل، وأن لاتعامل بشدة كبيرة حتى لا يترك ذلك أثرا بداخلها فيخلق الكبت ويؤثر عليها في الكبر فتتحول إلى متصابية.