قلّل صناعيون ورجال أعمال عراقيون من أهمية القوانين التي طبقها العراق أخيراً بهدف حماية المنتج والمستهلك، وقالوا عنها إنها لم تحدث أي فرق لحماية المنتجات الوطنية التي بقيت غير قادرة على منافسة المنتجات المستوردة، مطالبين بفرض رسوم إضافية ولمدة محددة على السلع التي يوجد لها بدائل محلية. وقال الخبير الصناعي العراقي صادق علي حسن، إن «اشتداد المنافسة بين الصناعات الداخلية التي لا تملك قدرة على المنافسة والصمود أمام الصناعات الخارجية يهدد النشاط الصناعي المحلي ويزيد من الصعوبات على المنتجين، خصوصاً أن الدول الأجنبية تمتلك خبرة أكبر وأكثر رسوخاً في سوق التنافس العالمي». وأشار إلى أن «الصناعة العراقية تواجه حالة من الشلل ولاسيما الشركات المملوكة للدولة، إذ إن غالبية هذه الشركات تخسر، في حين أن بعضها يحقق أرباحاً تذهب إلى تأمين التمويل الذاتي للشركة مثل رواتب الموظفين»، مشيراً إلى أن «غياب التخطيط والبرمجة للنهوض بالواقع الاقتصادي العراقي والاعتماد على الريع النفطي، من أبرز أسباب هذه الأزمة». وأضاف أن «كان في العراق عام 2000 أكثر من 77 ألفاً و176 معملاً صغيراً تستوعب ما يصل إلى ربع مليون عامل، لكن بعد عام 2003 انخفضت أعداد هذه المعامل لتصل إلى 10 آلاف معمل وعدد العاملين فيها يقل عن 36 ألف عامل. أما المعامل المتوسطة فكان عددها قبل عام 2003 أكثر من 176 مصنعاً وانخفض تدريجياً ليصل حالياً إلى دون ال76 مصنعاً وعدد العاملين فيها لا يتجاوز 13 ألف عامل». وتابع حسن، أن «فتح السوق العراقية على مصراعيها أمام البضائع المستوردة، وسياسة الإغراق التي اتبعت في الأسواق العراقية من جانب دول عدة، أديا إلى توقف غالبية الصناعات الصغيرة والمتوسطة وبعض الصناعات الشعبية، التي لم يعد بإمكانها المنافسة داخلياً أو على المستوى الخارجي، لافتاً إلى أن «سياسة الإغراق في العراق أثرت في مستوى القوى العاملة ولاسيما الفنية والمتخصصة، إذ باتت أمام خيار التحول إلى أعمال غير فعالة أو التفكير في الهجرة». وطالب الخبير باللجوء إلى «جملة من التدابير والإجراءات التي تشجع النشاطات الإنتاجية الصناعية داخل العراق لحماية الصناعات الناشئة من المنافسة العالمية، أو توجيه الاستثمارات إلى قطاعات صناعية معينة نظراً لأهميتها الاستراتيجية أو عائداتها المرتفعة، وهنا يمكن فرض الرسوم الجمركية المرتفعة ووضع القيود غير الضريبية مثلاً على بعض الواردات للحد منها، وتقديم الدعم والمساعدات المالية للمقاولات الصناعية، وتأمين الطاقة والسلع الأولية لها بأسعار تفضيلية». وشدد على أن «المنتج الوطني حديث الولادة لا يستطيع الوقوف في وجه المنافسة العالمية، ومن مسؤولية الدولة حماية هذا المنتج بفرض ضرائب على السلع الأجنبية المنافسة له لمدة محدودة، يستطيع المنتج الوطني خلالها الاستفادة من سنوات الحماية لتطوير الإنتاج والخبرات والتسويق، والشحن والإدارة واستخدام التكنولوجيا، فضلاً عن خفض تكلفة إنتاج الوحدة بسبب الإنتاج الواسع أو الكبير». وأوضحت نائب رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية نورة البجاري في حديث إلى «الحياة» أن «قطاع الصناعة لديه أهمية كبيرة، كونه القطاع الأكثر فاعليةً وديناميكيةً في القدرة على تحقيق متطلبات التنمية الاقتصادية من طريق توسيع قاعدة الإنتاج وتنويعها، وتأمين فرص عمل لرأس المال البشري بتقديم كفاءات ماهرة لإشباع متطلبات الاستهلاك». وأضافت أن «أهمية هذا القطاع تزداد بسبب قدرته على حل الاختلالات الهيكلية، وتنويع مصادر الدخل التي تتناسب مع الهيكل الاقتصادي وزيادة الطاقات الإنتاجية وتنميتها، واستغلال الإمكانات المتوافرة سواء كانت مادية أو بشرية». وتابعت أن «غالبية الدول تعمل على إنشاء قاعدة للصناعات الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبرى منها، لتحقيق جزء من الاكتفاء الذاتي من بعض المنتجات الصناعية المستوردة، وبطبيعة الحال فإن هذا الاهتمام سيؤمن فرص عمل ويسد حاجة السوق، فضلاً عن إمكان الوصول إلى المنافسة العالمية». وأضافت البجاري أن «السياسة الصناعية في العراق تعاني جملةً من التحديات والمشاكل التي تفرضها المتغيرات ذات الطابع الداخلي، وفي مقدمة هذه المشاكل تخلف الهياكل الاقتصادية نتيجة العسكرة الصناعية التي كانت سائدة قبل عام 2003 وتهميش دورها في إعادة بناء الاقتصاد العراقي». وأكدت أن الاقتصاد العراقي أصيب بمرض العولمة المفاجئة، ونتيجة القرارات الخاطئة للحاكم المدني الأميركي بعد عام 2003 أصبح الاقتصاد حراً بشكل كامل، بعدما كان مسيطراً عليه حكومياً بشكل كامل، ما أدى إلى اختلالات مفاجئة قابلها استمرار في عدم الاستقرار السياسي والأمني جعلت حالة الانهيار مستمرة في القطاع الصناعي وصولاً إلى اختفاء الطبقة الصناعية في العراق». وفي شأن مطالب فرض رسوم إضافية، قالت البجاري إن «هذا الأمر قابل للتحقق في حال استطاع القطاع الصناعي المحلي إيجاد سلع بديلة، وأبدت الحكومة موافقتها لدعم منتجاتهم لتكون قادرة على المنافسة لأن فرض أي رسوم إضافية يتحملها المستهلك، وهذا ما لا تريد الحكومة إثارته في الوقت الراهن، كما أن على القطاع الصناعي البحث عن طرق خفض تكاليف الإنتاج وزيادة رصانة مناجاتهم»، مشيرة إلى أن «يجب على الحكومة إعادة النظر بالرسوم الجمركية فهناك تضارب في احتسابها بشكل عام».