إسرائيل: سنواصل ضرباتنا في لبنان «بلا هوادة» .. ولن نمنح حزب الله فترة ليتنفس    ماكرون يطالب بالكف عن تسليح إسرائيل    التعاون يصالح جماهيره بالفوز على الفتح    تعليم جازان يشارك في اليوم العالمي للمعلم 2024 تحت شعار "تقدير أصوات الجميع، نحو عهد اجتماعي جديد للتعليم"    الحدود الشمالية: القبض على 5 أشخاص لترويجهم مادة الحشيش وأقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    الحرفش: ظهور أنماط مستجدة من الجرائم تهدد أمن الأفراد.. والتعاون القانوني الدولي ضرورة لمكافحتها    السكري يؤزم موقف النموذجي    العرفي: الذكاء الاصطناعي بدأ في الخمسينيات الميلادية وأسهم في تطوير الحياة    وزير الحج يستقبل وزير السياحة والآثار المصري    إطلاق تقويم فعاليات شتاء السعودية    «هيئة العقار» تُعلن بدء التسجيل العيني لأكثر من 87 ألف قطعة عقارية بمدينة الدمام ومحافظة الخبر    فيصل بن فرحان يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير خارجية أمريكا    26 ورشة وجلسة متخصصة في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي    أباتشي الهلال تكتسح النصر وتحقق ذهبية دورة الألعاب السعودية الثالثة    لقاء علمي يبحث الوقاية من فيروس الجهاز التنفسي المخلوي    ليفربول يفوز على كريستال بالاس ويعزز صدارته للدوري الإنجليزي    «تقني عسير» يختتم تدريب السيدات على صيانة السيارات    الإدارة العامة للأسلحة والمتفجرات تشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2024    قاعدة الملك فيصل الجوية بالقطاع الشمالي تحتفل باليوم الوطني 94    القوة الدافعة وراء تشكيل جيل قادر على التنافس عالميًا    أمانة تبوك تنظم ورش عمل مشتركة مع القنصلية الأمريكية    القيادة تهنئ سلطان بروناي دار السلام بذكرى توليه مقاليد الحكم في بلاده    آل زلفة: الصدفة قادتني ل 1000 وثيقة في متجر لبيع الصحون وقدور الطبخ!    هل تهاجم إسرائيل إيران 7 أكتوبر؟    ضبط (22094) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    "سلمان للإغاثة" يدشّن مشروع توزيع المساعدات الغذائية للأسر الأكثر احتياجًا في جمهورية قرغيزستان    ثاني أكبر روافد نهر الأمازون بالبرازيل يسجل أدنى منسوب للمياه بسبب الجفاف    جمعيتي "طويق" و"العمل التطوعي" تحتفلان باليوم الوطني بعشرة أركان تفاعلية    اليوم عرسك    رياح مثيرة للأتربة والغبار على الشرقية والرياض والمدينة    "المركزي الروسي" يرفع سعر الروبل مقابل العملات الرئيسية    السجن مدى الحياة ل«مغتصب التلميذات» في جنوب أفريقيا    خوفاً من الورثة.. مغربية تحتفظ بجثة والدتها !    6 توصيات لتعزيز الهوية الثقافية ودعم الاستثمار في تعليم اللغة العربية محلياً و دولياً    العربي يتغلّب على العين بثلاثية في دوري يلو    الفتح يختتم تحضيراته لمواجهة التعاون    عبدالعزيز بن سلمان يشارك في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة    محافظ الطائف يعزي أسرة الحميدي في فقيدهم    مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي القاضي وآغا في فقيدتهم    الجيش الأميركي يعلن قصف 15 هدفا للحوثيين في اليمن    جمعية الأدب تعتمد 80 سفيراً في 30 مدينة    انطلاق حملة الحي يحييك للاحياء السكنية بالمنطقة الشرقية    رصد طائر «سمنة الصخور الزرقاء» في الحدود الشمالية    ب 3 مناطق.. مركز «911» يتلقى 98 ألف مكالمة خلال 24 ساعة    إمام المسجد النبوي: آية ((إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) تحمل في طياتها معاني عميقة    وفاة 866 شخصًا بمرض جدري القردة في أفريقيا    "الصحة العالمية"تستعدّ للقيام بالجولة الثانية لتلقيح أطفال غزة ضدّ شلل الأطفال    أحلام على قارعة الطريق!    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    2238 مصابا بالناعور في 2023    تعيين عدد من الأئمة في الحرمين الشريفين    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    بدء الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لبحث التحرك العربي للتضامن مع لبنان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    وزير الداخلية يعزي ذوي شهيد الواجب أكرم الجهني    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جرجي زيدان الرحالة يكتب يومياته
نشر في الحياة يوم 17 - 11 - 2017

كيف يتجاوز العرب فواتهم التاريخي ويستعيدون مجدهم الغابر ويلتحقون مجدداً بالعالم الحديث مشاركين في حضارته العتيدة؟ سؤال مركزي استحوذ على اهتمامات النهضويين العرب عقب ارتطامهم بالمدنية الأوروبية التي طرحت عليهم تحديات جذرية، عمرانية وعلمية وفكرية.
في سياق هذا التحدي التاريخي يجب ان يُقرأ كتاب جرجي زيدان «الرحلات الثلاث: الآستانة أوروبا فلسطين» المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2017 مع تقديم ضافٍ للشاعر محمد علي فرحات، تناول فيه هذه الرحلات وخصائصها الأدبية وموقعها في كتابات زيدان. فهذا الرائد النهضوي 1861 – 1914 برز كواحد من أكثر الذين عملوا على احياء وعي العرب ماضيهم توسلاً لاستعادة نهضتهم الغابرة. من هنا لم يكن تأليفه «تاريخ التمدن الإسلامي» ومن بعده «الرحلات الثلاث» لغاية تأريخية محضة، بل هدف من ورائهما الى ابراز انتصار الخير والعدالة والتنوير على قوى الشر والجهل، في منحى تنويري واضح ذهب في اتجاهين، تمثل أحدهما في الحضّ على احياء النهضة العربية السالفة من خلال استعادة انجازاتها الحضارية العظيمة، فيما تمثل الآخر، توسلاً للهدف نفسه، في الإضاءة على مدينة العصر وتمثلاتها في مراكزها الأساسية، لاقتباسها والاقتداء بها.
وقد عبّر زيدان عن هذه الأهداف التنويرية بقوله في «الرحلات الثلاث» توخينا النظر من أحوال تلك المدنية في اختيار ما يلائم أحوالنا، من حيث حاجتنا الى تحدي مدنية أولئك القوم. فليس غرضنا أن يكون ما نكتبه دليلاً للمسافرين، وإنما إعمال الفكر في أحوال تلك الأمم، وما يحسن أو يقبح من عوامل تلك المدنية بالنظر الى طبائعنا وعاداتنا وأخلاقنا.
نظر زيدان في أحوال الآستانة ومعالمها الحضارية بالتفصيل: هضابها السبع، وأبنيتها المتدرجة على التلال. وصف قصورها ومناخها وشوارعها، ورأى الى المرأة التركية فلاحظ أنها أرقى نساء الشرق، كما أبدى إعجابه بأخلاق الأتراك وسلوكهم الراقي خلافاً لما كانوا عليه في العصر العباسي، وقدّم صورة عالمية للآستانة من خلال جرائدها التي تصدر بالعربية واليونانية والألمانية والتركية والفرنسية والإنكليزية والأرمينية.
الآستانة كما يصفها زيدان عامرة بالقصور والبساتين والفنادق، وهبتها الطبيعة هبات يعزّ مثالها في المشرق والمغرب، لكن الإنسان لم يحسن استخدامها، فشوارعها ودروبها تكاد تكون خراباً لقلة العناية بإصلاحها. أكثر آثارها في استامبول التي يزيد عدد مساجدها على 480 جامعاً، أشهرها آيا صوفيا، أما سكانها فمن الأتراك واليونان والأرمن واليهود والعرب والألبان والإفرنج، ومن رعاياها السني والشيعي والوهابي والمسيحي. والأتراك مقلدون في آدابهم، مقتبسون في علومهم كالرومان والعرب، لكن الآستانة أسبق مدن الشرق في استخدام الطباعة العربية في اوائل القرن الثامن عشر، وفيها 29 مكتبة تحوي 71467 مجلداً. وفي اهل الآستانة تأدب في خطابهم، وظرف في عشرتهم، ودماثة في أخلاقهم ولين في طباعهم، لحكومتهم عناية بالآداب العمومية لم نجد مثلها في مصر.
مناصر «الاتحاد والترقي»
أما على الصعيد السياسي فالمؤلف يبدو مناصراً متحمساً لجمعية الاتحاد والترقي، داعياً الى تجاوز سوء التفاهم بين الأتراك والعرب، معتبراً التباعد بين الأمتين من أهم العقبات في وجه الدستور العثماني، حتى انه يذهب في تبرير سياسة «الاتحاد والترقي» الى تجميل الحكم العرفي الذي يراه ضرورياً لبقاء المملكة العثمانية ووحدتها، لأن الأمة غارقة في الانقسام، والجهل الذي هو علة المذابح الطائفية والباعث على تشتّت الشمل.
في رحلته الى اوروبا رأى زيدان ان فرنسا قدوة الممالك المتمدنة وأكثرها احتكاكاً بالشرق، وهي من أكبر الممالك ثروة لأن الفرنساويين مشهورون بالاقتصاد والتوفير، ولأن فرنسا كثيرة المعامل واسعة التجارة الغنية بالمناجم تنفق الأموال الطائلة على التعليم، وفيها الجامعات الكبرى والجمعيات الأكاديمية. وبالمقارنة بيننا وبينها يُلاحظ ضعف التعليم عندنا وتقاعد حكومتنا وأغنيائنا عن الإنفاق على العلم.
ومن طبائع الفرنسيين النشاط والحماسة في العمل ومعرفة قيمة الوقت والشعور بالواجب وصدق المواعيد. وهم ينزعون الى الحرية ويفاخرون برجالهم ويعظمون النابغين منهم، عامتهم يحسنون القراءة والكتابة ويطالعون الجرائد ويبحثون في السياسة، ويهتمون بالشؤون العامة وينتقدون أعمال الحكومة. والفرنسيون من اكثر الأمم احتراماً للمرأة، اعترفوا بحقوقها وساووها بالرجل في العمل وفي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، على الضد مما ألفناه في بلادنا، حيث الفتاة تمكث في منزل والديها في انتظار الزوج، ولا يخطر لأهلها أن تعمل عملاً.
وفرنسا غنية بقصورها ومتاحفها وما حوته من الآثار النادرة، ومكتبتها الأهلية تعد أهم مكاتب العالم، وفيها من الأدباء السوريين من يجارون أدباء فرنسا بأدبهم.
اما انكلترا فنظامها ملكي مقيد، ما من دولة تدانيها في الثروة، أقدم جامعاتها أنشئ في 1836، وللإنكليز فضل كبير على العلم لا سيما ما يتعلق بالاختراعات المحسوسة، وليس عندهم مجالس للتسلية ولا أماكن للفحشاء. وإنكلترا أقدم من اعترف بحقوق العامة، ولهؤلاء عناية خاصة، لكن الأرستوقراطية متأصلة في نفوس الإنكليز.
بالنظر في أخلاق الإنكليز لاحظ زيدان أنهم متكبرون لا يخالطون سواهم ولا يزاوجونهم، ويحبون الاستئثار بالمنافع. لكنهم ثابتون في مبادئهم وعاداتهم، صريحون في أقوالهم وأعمالهم، يندر ان تتغلب عليهم الحدة. والإنكليزي بطيء الخاطر غير مفرط في الذكاء، ناجح في اعماله، محافظ على التقاليد المتوارثة، متدين يحترم النظام، يؤدي ما عليه من حق في حينه، حتى أن أعداءه يعترفون له بسمو الأخلاق.
ويقدم المؤلف وصفاً حياً لفلسطين كما رآها في 1913، وأحوالها قبل التاريخ، وأحوالها في زمن العبرانيين وبعد الإسلام، وآثارها الدينية وعلى رأسها القدس أشهر مدن العالم، وكنيسة القيامة والحرم الشريف وبيت لحم والمسجد الأقصى. إلا انه يبدي اهتماماً خاصاً بوضع فلسطين السياسي والاجتماعي قبيل وعد بلفور محذراً من مخططات الصهيونية، داعياً الى مواجهتها قبل فوات الأوان، لأن اليهود يشترون الأراضي، وقد أصبحت مستعمراتهم بالعشرات بجوار حيفا ويافا والقدس، وهم يستخدمون في منازلهم ومعاملهم ومغارسهم ومخازنهم أحدث الطرق العلمية، وليس في يافا ولا سائر فلسطين كلية تضاهي كلية تل أبيب في العلوم الطبيعية والجغرافية والآداب، وهي تحظى برعاية الجمعية الصهيونية. وفيما اليهود ينافسون الأمم الأخرى بالمال والعلم والاتحاد، نرى ان التعليم ضعيف في معظم المملكة العثمانية، بل هو أضعف في فلسطين مما في سواها.
يشدد زيدان على ان مقاومة الصهاينة انما تكون بالنسج على منوالهم من حيث تعمير الأرض بالطرق العلمية، وإنقاذ الفلاح بإنشاء النقابات الزراعية. لكن الحكومة مضطربة وأغنياء الوطنيين منصرفون الى التنازع على الوظائف. وعليه يقول زيدان: «ما لا شك فيه من مستقبل فلسطين أن الحال إذا ظلت على ذلك، واليهود عاملون على ابتياع الأراضي واستعمالها، وأهلها غافلون أو متجاهلون وحكومتها ساكتة أو مشغولة، فلن يمضي زمن طويل حتى تصير كلها لليهود».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.