إن الأطماع الإيرانية في البحرين ليست وليدة اليوم بل قديمة وقبل استقلال البحرين، ولا بد أن نرجع إلى التاريخ ونزيح الستار حول تلك الأطماع ونقارنها بالأحداث الحاضرة، ففي العهد الملكي الإيراني أصدر رضا شاه في 20 مايو عام 1927 مذكرة احتجاج إلى عصبة الأممالمتحدة احتجاجاً على مزاعم الأقلية الإيرانية في البحرين، احتجت فيها على ما ورد في المعاهدة من أمور تتعلق بالبحرين إدعاءً بأن لها سيادة على البحرين، وطالبت من خلالها بضرورة سحب الآثار المترتبة على معاهدة جدة بين بريطانيا والملك عبدالعزيز رحمه الله، ولقد نفت الحكومة السعودية أية حقوق لإيران في البحرين، وفي عام 1951 قاد محمد مصدق انقلاباً ضد محمد شاه، وبعد استلام مصدق زمام الحكم في إيران أعلنت حكومته أن قرار تأميم النفط الإيراني يسري على الشركات العاملة في البحرين، وفي نوفمبر عام 1957 وذلك بعد أربع سنوات من سقوط حكومة مصدق وعودة محمد شاه إلى الحكم، وافق الشاه في اجتماع لمجلس الوزراء على قرار يقضي بضم البحرين وجعلها المقاطعة الرابعة عشرة، وتنفيذاً لهذا القرار بدأت إيران تضع البحرين ضمن الخرائط الرسمية للدولة، وكان أول ردّ عربي على قرار إيران صادراً من المملكة العربية السعودية. وأصدرت الحكومة السعودية بياناً أكدت فيه أن البحرين امتداد للجزيرة العربية، وجزء متكامل منها، وأن شعب البحرين يرتبط بشعوب الأمة العربية، واتخذت المملكة رداً عملياً على ادعاءات إيران في البحرين، حيث بدأت مفاوضات مباشرة مع حكومة البحرين لتعيّن الحدود البحرية معها على أساس كونها دولة غير تابعة لأحد، مما دعم موقف البحرين ووجه ضربة للادعاءات الإيرانية فيها، وكان الرد الإيراني سريعاً على الاتفاقية السعودية مع البحرين، ولكن هذه المرة كان عنيفاً، حيث أعلنت إيران احتجاجها الشديد على الاتفاقية، وأصدرت بياناً اعتبرت فيه البحرين ولاية إيرانية تابعة لها، وصرح وزير خارجية إيران في المجلس النيابي الإيراني أن حكومته ترفض الاتفاقية وتراها تعدياً على حقوقها الإقليمية في البحرين، وأعلنت الجامعة العربية تأييدها ومساندتها للاتفاقية السعودية مع البحرين وأرسلت الجامعة العربية في مارس عام 1958 مذكرة احتجاج لإيران بخصوص موضوع البحرين. وفي 30 نوفمبر عام 1971 وبعد أن يئست إيران من تحقيق أطماعها في البحرين، قامت حكومة الشاه في خطوة غير مسبوقة باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث بعد انسحاب القوات البريطانية منها. وبعد أن خلعت إيران التاج الملكي العلماني ولبست عمامة الملالي المبنية على نظرية ولاية الفقيه عام 1979، أصبحت الأطماع الإيرانية أكثر طموحاً وخطورة على الدول الخليجية خاصة والدول العربية عامة. ونلاحظ أن الأطماع الإيرانية في العهد الملكي حول البحرين لم يكن لديها أجندة مزروعة داخل البحرين، ولم يكن لديها حركات وأحزاب وعناصر ومليشيات طائفية تدين لها بالولاء والطاعة العمياء في البلاد العربية ووسائل إعلام ناطقة بالعربية لتسويق أهدافها المشؤومة، واليوم يعيد التاريخ نفسه ولكن بصورة مختلفة، فإيران اليوم ليست مثل أمس، فمنذ اندلاع الأحداث التخريبية في البحرين ودخول قوات درع الجزيرة لحماية المنشآت الحيوية والاستراتيجية وما قامت به إيران من احتجاجات وتصريحات عدائية تجاه المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، ويتصاعد الموقف العدائي حين يعلن عملاؤها في العراق وحزب الله اللبناني وبعض الأحزاب والتيارات في بعض دول الخليج تضامنهم مع المخربين، وتدخلها السافر في سيادة مملكة البحرين. ولم تقتصر الأطماع الإيرانية في البحرين فحسب، بل عمدوا إلى إقامة شبكات تجسس في الكويت وتنظيم جماعات وخلايا لنشر الإرهاب، والقيام بالأعمال التخريبية وزرع الفتن الطائفية، وهذا ما شاهدناه في الساحة اليمنية عن طريق جماعة الحوثيين المسلحة، وكذلك في مصر بعد أن قامت السلطات بالقبض على عناصر من حزب الله اللبناني. إن جميع هذه الأعمال التي قامت بها إيران في تلك البلاد ما هي إلا دليل دامغ على سعيها لتحقيق طموحاتها التوسعية، وإقامة الإمبراطورية الفارسية الصفوية داخل الأراضي العربية. وليدوّن التاريخ ما تقوم به إيران حالياً في الساحة العربية وأن أطماعها ليست مقصورة فقط على البحرين. * باحث في الشؤون الإيرانية.