الفساد في كل بلد عربي، وهو أقل ما يكون في الدول العربية الثرية المنتجة للنفط، وأعلى ما يكون في دولنا الفقيرة، ومع ان العراق قرب قعر القائمة فإنني ألوم الاحتلال الأميركي مع نظام المحاصصة الطائفية الذي صنعه. كتبت عن الفساد مرة بعد مرة، وكنت عادة أستعين بمؤشر الفساد العالمي ليبدو كلامي موثقاً بمراجع دولية. غير أنني أعترف للقراء اليوم بأن اعتراضي الأهم على الفساد في بلادنا هو انني لم أنل حصتي منه، فالناس أثروا حولي والفساد تركني والخيبة تلازمني. أسرع فأقول أنني أكتب هاذراً وأكمل هاذراً، فقد ضقت بالسياسة العربية في الأيام الأخيرة وبثورات الغضب والرضا، وأخذت أبحث عما يعيد البسمة الى الوجوه. كنت لا أزال أنعى سوء حظي مع الفساد عندما وجدت سبباً آخر، شخصياً، للغضب غير مشاركة الغاضبين في ميدان التحرير، فالدول العربية القادرة أمطرت مواطنيها فوائد من زيادة المرتبات، الى الهدايا النقدية وغيرها، ومرة أخرى وجدت انني طلعت من المولد بلا حمص، ففي لندن حيث أقيم الحكومة تقاسمني مرتبي كأن وزير الخزانة يكتب هذه الزاوية معي. وفي لبنان يفتشون عن مواطن يسرقونه. وأسمع أن «الله بيعوّض» و «الله بيبعت» إلا أن ربنا لم يعوض عليّ حتى الآن أو يبعث لي، وأرجح أن مأمور الضرائب البريطاني زارني متطوعاً ومن دون أمر ربّاني. بدأت محاولاً أن أشارك القارئ بسمة، لذلك أتوقف عن رواية همومي النقدية، وأقول له انني حققت إنجازات مالية وانتصارات نسائية على صعيد آخر هو الانترنت. كل يوم أتلقى رسالة من حسناء (هي تقول انها حسناء) تريد التعارف وإقامة علاقات ود. وأكتب وأمامي رسالة بالفرنسية من جوليت تقول: بونجور يا عزيزي، وتطالبني بالرد لترسل لي صورتها. بكلام آخر، فرنسية تحبني. ده يوم المنى. أما سيرينيا فتريد أن تبادلني الصداقة والإعجاب والعاطفة المشبوبة، في حين تقول جيسي «مرحبا عزيزي» في رسالتها وهي أيضاً برّح الشوق بها في الغلس، مع انها لا تعرفني وتطلب صورتي. ثم هناك ماري لاف أو لوف (حب) وهي مثقفة فرسالتها الإلكترونية إليّ بالعربية والإنكليزية. أترك التواضع جانباً وأقول انني أفهم ان تقع الحسان في غرامي، ولكن من أين لي أن أنفق على الحسان، وقد فاتني الفساد ولم أحصل على رشوة حكومية، والضرائب تقاسمني رغيف الخبز. الانترنت حلت المشكلة أيضاً، وأغوبوز يقول انه رئيس دائرة الأشغال والإسكان، ولكن لا يقول أين، ويعرض عليّ صفقة بعشرة ملايين دولار. ثم هناك ديريك الذي يقول مبروك فقد ربحت 800 ألف دولار، أما وليامز فهو من دائرة الذهب والماس في سيراليون ويريد عنواني ليرسل إليّ ما عنده، في حين ان المسز أوليفيا تخاطبني بعبارة «حبيبي العزيز» وتعرض أن ترسل إليّ 400 ألف دولار ورثتها عن زوجها الراحل. بل ان هناك من انتحل اسم بنك دولي وعرض أن يحول الى حسابي ثمانية ملايين جنيه استرليني شرط أن أعيد اليه 70 في المئة وأرسل الى وسيط 10 في المئة وأحتفظ لنفسي بعشرين في المئة، وبما أن الألعاب الأولمبية في إنكلترا السنة المقبلة فقد تلقيت رسائل عدة تقول انني فزت بمقاعد أمامية لحضور كل المباريات. وكما يرى القارئ فالحسان على بابي بما يعادل «طبق اليوم»، والجوائز أكثر من سهام المشركين، ومع ذلك فأنا أترك الحسان والنقد النادر أو المستحيل لأكتب هذه الزاوية، مقدماً القارئ على الجميع... يعني «وش فقر» قديم وباقٍ. قبل الإنترنت كان هناك النصابون من نيجيريا وكل منهم يريد أن يحول الى القارئ جزءاً من موازنة البلد ودخله النفطي، وجاءت الإنترنت وأصبح النصب والاحتيال تكنولوجيا حديثة. وأذكر أنني كتبت في البداية محذراً القراء، إلا أن الموضوع أصبح اليوم شائعاً ذائعاً ولا يقع فيه سوى غلاة الأغبياء. أقول من غير المعقول ان كل آنسة تقع في غرامي حسناء متأججة العواطف، فأنا أسير في الطريق ونصف الناس على درجة متقدمة من القبح ومن دون عاطفة، وهو أمر محيّر لأن الأفلام الأميركية تظهر آدم وحواء على درجة عالية من الجمال، فمن أين أتى الناس البشعون؟ أما العواطف المشبوبة فتعود بي الى أيام الجامعة، وزميلة دراسة سمّيتها «مسلسل» لأنها كانت عندما تصل الجلسة الحميمة بيننا الى درجة الإثارة تتوقف حتى «الحلقة» التالية. [email protected]