دعا الرئيس اللبناني ميشال سليمان قبل 72 ساعة من انتهاء ولايته الدستورية، مجلس النواب الى استكمال الاستحقاق الدستوري تفادياً «لمحاذير ومخاطر خلو سدة الرئاسة الأولى»، معتبراً ان ذلك «سيطاول في مفاعيله جوهر العقد الميثاقي الوطني في توزيع مواقع السلطة في هرمية الدولة». وأعلن مرشح قوى 14 آذار، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أمس بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي «أننا نفكر بحلول لعدم الوقوع في الفراغ مهما كان الثمن، وكي لا يطول الفراغ وقد طرحت مع البطريرك بعض الأفكار التي لا أستطيع الإفصاح عنها حالياً». (للمزيد) وجاء كلام الرئيس سليمان في نص الرسالة التي بعث بها الى البرلمان وتليت أمس في جلسة عامة خصصت لهذه الغاية وفق ما ينص عليه الدستور، وأكد فيها للنواب ان «الدستور أولاكم وكالة أرادها دافعاً لكل عضو منكم لكي يفعل ويختار، لا لكي يمتنع ويتخلف عن الاختيار»، وذلك عشية الجلسة النيابية الخامسة المقررة اليوم والتي سيتعذر انعقادها أسوة بسابقاتها نتيجة إفقادها نصاب الثلثين بغياب «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي بزعامة العماد ميشال عون (27 نائباً) وكتلة نواب «حزب الله» (13 نائباً) ونواب آخرين من قوى 8 آذار. ومع تحول الجلسة الى سجال حول تعطيل نصاب جلسات انتخاب الرئيس اعتبر سليمان في رسالته أن «عدم مشاركة البعض منكم (في جلسات انتخاب الرئيس) خلقت نوعاً من الخوف لدى الشعب»، دعا الى «متابعة العمليات الانتخابية المتتالية حتى التوصل الى انتخاب الرئيس حتى انتهاء الجلسة»، فإن صرخة الرئيس اللبناني الأخيرة تزامنت مع صرخة أخرى أطلقت من البطريركية المارونية عبر بيان صدر عن اجتماع ثلاث مؤسسات للطائفة برئاسة البطريرك الراعي أمس، هي الرابطة المارونية، المؤسسة المارونية للانتشار والمجلس العام الماروني، حذرت فيه النواب «إلى أي طائفة انتموا» من أن عدم انتخاب الرئيس في الموعد الدستوري يضرب رأس هرم السلطات ويؤدي حكماً الى شل عمل المؤسسات الدستورية». وإذ وضع الراعي المجتمعين في صورة الالتزامات التي تمت في حضوره خلال اجتماعات مع أفرقاء سياسيين معنيين (التعهد بحضور جلسات البرلمان)، رأى أن «تعطيل انتخاب الرئيس يخالف نص الدستور وروحه ويهدد الكيان». وفيما تغيّب عن جلسة تلاوة رسالة سليمان التي حض فيها على انتخاب الرئيس قبل 25 الجاري، نواب «حزب الله» وبعض حلفائه، في سياق موقف الحزب السلبي من انتقادات سليمان لاشتراك مقاتليه في الحرب السورية ودعوته الى وضع سلاحه في إمرة الدولة، فإن النواب الحاضرين من قوى 14 آذار وكتلة «اللقاء الديموقراطي» النيابي برئاسة وليد جنبلاط صفقوا لمضمون الرسالة بعد تلاوتها فيما امتنع عن ذلك بضعة نواب من تكتل عون كانوا في عداد الحاضرين، وكذلك نواب كتلة رئيس البرلمان نبيه بري. وتخللت الجلسة مداخلات أبرزها للنائب سمير الجسر باسم كتلة «المستقبل» قال فيها إن «روح الديموقراطية أصبحت بعيدة وأبعدناها ب «انا» كبيرة وكل شيء أصبح للأنا أو لا انتخاب». وسأل: «هل معقول ان نغيب عن الجلسات من دون عذر أكثر من مرتين في العقد العادي؟»، ورأى ان التفاهم على نصاب الحضور (الثلثان حتى في الدورة الثانية للانتخاب) هو مجرد استنتاج وسأل: «إذا استنتج نصاب الحضور في الجلسة الأولى بثلثي أعضاء المجلس كونه نصاب الفوز فكيف استنتج نصاب الحضور بالثلثين في الدورة الثانية ونصاب الفوز فيها يكون بالأكثرية المطلقة من عدد أعضاء المجلس؟»، ودعا الى استحضار الإشكاليات التي ترافق هذا الاستحقاق لتفسير النصوص أو تعديلها. وامتدح الجسر رسالة سليمان، كذلك فعل النائب مروان حمادة قائلاً: «لو كان نظامنا انتخاب الرئيس من الشعب فهل كان الشعب تأخر عن القيام بالواجب؟». وإذ طلب النائب نقولا فتوش رد رسالة سليمان احتج الوزير عبدالمطلب حناوي. ورأى النائب سامي الجميل ان عذر بعض النواب بعدم الحضور أنهم يشترطون أن يكون الرئيس توافقياً، فمن قال ان هذا الشرط صحيح؟»، وأكد أن «تطيير الجلسة بحجة الميثاقية سببه طموح شخص»، ودافع بري عن اعتماد نصاب الثلثين... «وإذا عرفت أن هناك نصاباً مؤمناً في أي وقت حتى لو كان منتصف الليل فإن رئاسة المجلس حاضرة». وشكر الوزير بطرس حرب سليمان على رسالته ودعا الى احترام الأصول والقواعد التي تفرض أن نأتي الى المجلس النيابي لنؤمن النصاب. وسأل: «من قال يجب أن نتوافق على اسم الرئيس العتيد؟». وأسف لغياب قسم من النواب (حزب الله) «كأنه استخفاف بموقع الرئاسة». وتحدث جنبلاط عن شجاعة سليمان، وقال: «مع الغير كانت التجارب مريرة وأحياناً بالمدفعية. والله يستر مع الذي سيأتي، من الجهتين...». ودافع عضو «تكتل التغيير» ألان عون عن حق التغيّب وتعطيل النصاب، معتبراً أن «النصاب يرتبط بظروف انتخاب الرئيس» وسأل: «هل ما يصح في اختيار رئيسي المجلس النيابي والحكومة لن يصح في انتخاب رئيس الجمهورية؟»، واعتبر ان الميثاقية يجب أن تكون في الخيار. وأعلن بري أن جلسة اليوم لانتخاب الرئيس «مفتوحة حتى انتهاء الولاية». وقال جعجع ان البطريرك الراعي فاتحه بموضوع التمديد للرئيس سليمان «لتفادي الفراغ، لكن تبيّن من التعداد أنه لا توجد أكثرية في البرلمان ترغب في تعديل الدستور وللأسف انتهى الموضوع عند هذا الحد وقبل أن يبدأ». وأوضح جعجع الذي زار الراعي عصر أمس لإطلاعه على نتائج محادثاته في باريس والتي شملت لقاءه المطوّل مع زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس كتلة «المستقبل» الرئيس السابق فؤاد السنيورة ومسؤولين فرنسيين، أن «لدى الراعي أسى كبيراً لأن النصاب سيتعطّل مرة جديدة في جلسة الغد (اليوم) وفكرنا كثيراً، أنا كمرشح وقوى 14 آذار، في ماذا يمكننا أن نفعل، لكن في الوقت الحاضر لم نصل الى أي شيء لتجنب الفراغ». وعن اللغط الذي حصل حول تصريحه في باريس عن طرح العماد عون كرئيس توافقي قال جعجع: «عرضنا هذا الطرح ضمن الطروحات التي كانت أمامنا. وأعطيت رأيي بالموضوع (أن عون ليس توافقياً) وانتهى الأمر عند هذا الحد». وأمل لو أن العماد عون ينزل الى جلسة اليوم ويحض النواب على التصويت له وفي حال نال أكثرية 65 صوتاً سأكون أول من يهنئه، لكن تعطيل اللعبة الديموقراطية وموقع الرئاسة يضعنا أمام حائط مسدود. واستبعد جعجع امكانية قيام الفريق الآخر بتعطيل الحكومة إذا حصل الفراغ في الرئاسة الأولى، وقال: «لا يوجد شيء إلا وله حل، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح».