منذ الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008، يناقش المحللون الصينيون فكرة تحمل الصين المزيد من المسؤولية الدولية. وظهرت مدرستان متعارضتان من التفكير في هذا البلد. من جهة، يتساءل عدد متزايد من الأصوات عن نظرية الصين في السياسة الخارجية المستمرة منذ عقود والتي دُفعت إلى الأمام أولاً من قبل (الزعيم الراحل) دنغ كسياوبنغ والتي تشدد على أهمية الحفاظ على التواضع على المسرح العالمي. ويقول هؤلاء المحللون إن الأمة تحتاج إلى إبداء المزيد من الجرأة والحزم في المسائل الدولية على نحو يلائم المكانة المستجدة للصين كقوة عالمية كبرى. من ناحية ثانية، هناك التيار الصيني الرئيس القائل إن الدعوات الدولية الموجهة الى الصين لحمل المزيد من المسؤولية الدولية هي مؤامرة من الدول الغربية ترمي إلى إنهاك مواردنا الاقتصادية وتقييدنا بالمزيد من الالتزامات في الخارج. مثال على الفلسفة هذه يتجسد في أن الممثل الصيني في الأممالمتحدة يمتنع غالباً عن التصويت، منذ نهاية الحرب الباردة. أقف في المعسكر الأول بصلابة، حيث أقلية من المفكرين الذين يعتقدون بضرورة حمل الصين المزيد من المسؤوليات في الخارج، إذا إرادت استعادة مكانتها التاريخية كقوة عالمية عظمى. وتستلهم مجموعتنا من المفكرين، آرائها من الفلسفة الصينية القديمة التي تنظر إلى القدرات المادية وإلى الالتزامات الأخلاقية كشروط لازمة لبناء قيادة عالمية قوية ومستدامة. ومن أجل أن تكون الصين قوة صاعدة مُرحباً بها في باقي العالم، يتعين عليها التصرف كمرجعية أخلاقية («وانغ» باللغة الصينية) وأن تتحمل المزيد من المسؤوليات الدولية لتحسين صدقيتها الاستراتيجية. ويبدو أن فكرة الدور الأكثر حزماً تكسب التأثير. وقبل بضعة أعوام، ما كان لباحث صيني أن يتحدى مبدأ عدم التدخل في الدول الأخرى ذات السيادة. أخيراً، يدور جدال متسع في شأن هذا الموضوع. وتجادل الأكاديميون والمجموعة السياسية في شأن العقوبات على كوريا الشمالية أو منطقة حظر الطيران فوق ليبيا والرد الحكومي الملائم للهجمات التي وقعت عام 2009 على أفراد القومية الصينية في ميانمار. ويترافق الجدال حول دور الصين الدولي مع التغيرات في السياسة. وبعد فترة وجيزة من الزلزال المدمر في اليابان، عبر رئيس الوزراء الصيني ون جياباو للحكومة والشعب اليابانيين عن تعاطفه العميق واهتمامه الشديد. وحشدت فرق الإنقاذ الصينية وأرسلت للمساعدة في عمليات الإغاثة وقدم الصليب الأحمر الصيني الأموال لليابان. بل إن وزير الدفاع الصيني ليانغ غوانغلي، عرض علناً تقديم المساهمة العسكرية في الإنقاذ. وفاضت وسائل الإعلام الصينية بروايات متعاطفة مع التمدن الياباني وسط الكوارث. الرد الصيني على الأزمة الليبية مثال أكثر إثارة للدهشة بعد. وفي السادس والعشرين من شباط (فبراير)، سارع ممثل الصين في الأممالمتحدة الى الموافقة على قرار فرض عقوبات على حكومة القذافي. وعلى رغم أن الصين عادت الى موقعها التقليدي بامتناعها عن التصويت على قرار الأممالمتحدة بالقيام بعمل عسكري ضد ليبيا. وأظهر تأييد العقوبات معارضة الرد العسكري القاسي الذي اعتمدته الحكومة الليبية ضد شعبها المطالب بتنحي القذافي. يضاف الى ذلك انها كانت المرة الأولى التي ترسل الصين فيها سفينة حربية لإجلاء المواطنين الصينيين من ليبيا. وبين 22 شباط و الخامس من آذار (مارس)، أجلت الصين أكثر من 35 ألف مواطن و2100 أجنبي من 12 بلداً آخر. وتشكل سياسة الصين في ليبيا قطعاً واضحاً مع مبدأ الحفاظ على التواضع. وإرسال قوات الى ليبيا لعملية إجلاء يعني أن الصين تعلمت كيف تحسن صورتها في العالم. بل إن أولئك الصينين الذين يعتقدون أن علينا متابعة البقاء في الظل لم يعارضوا إرسال قوات إلى ليبيا، ويبدو أن الحكومة الصينية تعلمت أن المسؤولية الدولية تحدد غالباً عبر الرد السياسي أثناء الأزمات الدولية، خصوصاً في المسائل الأمنية وليس فقط بالمساعدات الاقتصادية للدول الفقيرة. وعلى امتداد فترة طويلة من القرن العشرين، كان الماركسيون الصينيون والليبراليون يتطلعون الى الغرب لاستلهام الأفكار. وجرى تبني قيم غربية من صنف «سيادة الدولة» كجزء من الخطاب الرسمي لأن كان على الصين بناء سلطتها الداخلية في معزل عن تهديد القوى الخارجية. أما اليوم، فهناك اعتراف متزايد بواقع أن على الصين ممارسة المزيد من التأثير الإيجابي في المسائل الخارجية. غني عن البيان أن عوامل عدة تفسر تحول الصين من قوة منطوية على الذات هاجسها السيادة إلى فاعل ومؤثر في الساحة الدولية ليس آخرها الجبروت العسكري الصيني. لكن القيم التقليدية الصينية تساعد القادة الصينيين في إضفاء المعنى على التركيز المستجد على المسؤوليات الدولية وعلى تقديم سياسات الصين بأساليب مقبولة. وتوجد إثباتات تؤيد التحليل هذا. فقبل أعوام كثيرة أزيحت صورة ماركس من ساحة تيانانمين، ورفع تمثال كونفوشيوس هناك. * أستاذ العلوم السياسية عميد معهد العلاقات الدولية المعاصرة في جامعة تسنغهوا في بكين، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 31/3/2011، إعداد حسام عيتاني