أعلنت القوات النظامية السورية صباح امس إعادة الأمن والاستقرار إلى كامل مدينة دير الزور بعد القضاء على آخر بؤر إرهابيي تنظيم «داعش» فيها. وقال مصدر عسكري في تصريح إلى وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) إن وحدات من القوات النظامية «أنجزت بالتعاون مع القوات الرديفة والحليفة تحرير مدينة دير الزور بالكامل من براثن تنظيم داعش بعد أن قضت على أعداد كبيرة من إرهابييه بمن فيهم متزعمون وأجانب ودمرت أسلحتهم وعتادهم واستولت على مستودعات أسلحته وذخيرته»، مشيرة إلى أن وحدات الهندسة «تقوم بتمشيط أحياء المدينة وإزالة العبوات الناسفة والمفخخات التي زرعها التنظيم الإرهابي في المباني والساحات». واعتبرت القيادة العامة للجيش أن أهمية إعادة الأمن والاستقرار إلى مدينة دير الزور «تأتي من موقعها الإستراتيجي كونها تشكل عقدة مواصلات تربط المنطقة الشرقية بالمنطقتين الشمالية والوسطى وتشكل ممراً رئيسياً بين بادية الشام والجزيرة السورية ومنها إلى العراق الشقيق إضافة إلى أهميتها الاقتصادية كمنطقة زراعية تعد خزاناً رئيسياً للنفط والغاز». ولفتت القيادة العامة للجيش إلى أن تحرير مدينة دير الزور «يشكل المرحلة الأخيرة» في القضاء النهائي على تنظيم «داعش» الإرهابي في سورية وأنه بفقدان سيطرته عليها «يفقد قدرته في شكل تام على قيادة العمليات الإرهابية لمجموعاته التي أصبحت معزولة ومطوقة في الريف الشرقي للمدينة». ووجهت القيادة العامة أن الجيش بالتعاون مع القوات الرديفة والحليفة «مصمم على مواصلة حربه على ما تبقى من فلول تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية حتى إعادة الأمن والاستقرار إلى كل أراضي الجمهورية العربية السورية». وذكر مراسل «سانا» في دير الزور أن تنظيم «داعش» زرع آلاف الألغام والعبوات الناسفة في الشوارع والمنازل والبنى التحتية في محاولة يائسة لعرقلة تقدم القوات النظامية من جهة، وتدمير المزيد من الأبنية والمنشآت الخدمية التي حولها مخازن لأسلحته وذخيرته. وأشار المصدر العسكري إلى أن وحدات الهندسة في الجيش «تتابع تفتيش الشوارع والساحات والمباني في أحياء المدينة وتقوم بإزالة المفخخات والألغام والعبوات الناسفة التي زرعها إرهابيو داعش في المنطقة». وأضاف المصدر أن سيطرة القوات النظامية على مدينة دير الزور بالكامل جاءت «بعد عمليات عسكرية دقيقة على تجمعات عناصر داعش تتناسب مع المناطق السكنية حرصاً على عدم إلحاق الأضرار بالمنازل واستمرت هذه العمليات نحو شهر سقط خلالها الكثير من القتلى في صفوف عناصر داعش الذين استخدموا كل الوسائل الإجرامية لمنع تقدم الجيش ولكن من دون جدوى». وقالت «سانا» إن تحرير مدينة دير الزور يعد خطوة مهمة وإنجازاً جديداً للقوات النظامية وحلفائها نحو اجتثاث تنظيم «داعش» الإرهابي في شكل كامل من كل الأراضي السورية و «إحباط كل محاولات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة لإطالة عمر التنظيم لتنفيذ أجنداته المعادية للسوريين». وتأتي سيطرة القوات النظامية بعد ضم مساحات واسعة في داخل أحياء المدينة، كان آخرها ثلاثة أحياء: الكنامات، والرصافة والمطار القديم. وتتزامن عملياتها العسكرية في المدينة، مع تقدم أحرزته في الأيام الماضية جنوب المحافظة، وسيطرت من خلاله على مدينة الميادين المعقل الرئيسي للتنظيم في المحافظة. كما فتحت محوراً عسكرياً على الحدود السورية- العراقية للوصول إلى مدينة البوكمال الإستراتيجية. وكانت القوات النظامية والميليشيات المرادفة لها حققت، منذ مطلع أيلول (سبتمبر) 2017 تقدماً واسعاً على حساب التنظيم، وسيطرت على الأوتوستراد الدولي دمشق- دير الزور في شكل كامل، بعد انسحابات متتالية للتنظيم، ووصلت إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات وسيطرت على قرية خشام القريبة من الحقول النفطية، وذلك بعد ضم مساحات واسعة بين «اللواء 136» ومطار دير الزور العسكري، والسيطرة على أحياء منها حويجة صكر في الجهة الغربية للفرات. المحافظة مسرح المعركة الأخيرة في سورية ضد «داعش» بيروت - أ ف ب - على وقع هجمات عدة، فقد تنظيم «داعش» الجزء الأكبر من محافظة دير الزور الغنية بحقول النفط والغاز التي سيطر عليها بالكامل عام 2014. ومُني بأقسى خسائره فيها الخميس باستعادة الجيش السوري السيطرة على كامل مدينة دير الزور، مركز المحافظة وآخر كبرى المدن السورية التي وجد فيها تنظيم الدولة الإسلامية. تعد مدينة دير الزور، العاصمة الإدارية للمحافظة التي تحمل الاسم ذاته والمحاذية للعراق. وتعرف هذه المحافظة بغناها بحقول النفط والغاز الأكثر غزارة في سورية. بعد تحول حركة الاحتجاجات ضد النظام التي بدأت في آذار (مارس)2011 إلى نزاع مسلح، سيطرت فصائل معارضة وجهادية عام 2012 على أجزاء واسعة من المحافظة ومدينتها دير الزور. ولكن مع تصاعد نفوذ تنظيم «داعش» وسيطرته على أجزاء واسعة من سورية والعراق، استولى أيضاً على المناطق التي كانت تحت سيطرة الفصائل في دير الزور. وأحكم إثر ذلك حصاره تدريجياً على الجيش السوري وعشرات آلاف المدنيين من سكان المدينة والمطار العسكري المجاور. وخلال السنوات الماضية، استهدفت الطائرات السورية والروسية كما مقاتلات التحالف الدولي بقيادة واشنطن مواقع تنظيم «داعش» في المحافظة. وشهدت المدينة منذ إطباق تنظيم «داعش» حصاره عليها، معارك مع الجيش السوري المحاصر داخلها. وفي مطلع العام الحالي وعلى رغم القصف الجوي الروسي والسوري الكثيف، ضيق التنظيم الإرهابي الخناق أكثر على المدينة، وفصل مناطق سيطرة الجيش السوري إلى جزءين، شمالي وآخر جنوبي يضم المطار العسكري. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، وعلى وقع عملية عسكرية بدعم جوي روسي تمكنت القوات النظامية السورية من فك حصار محكم فرضه التنظيم قبل نحو ثلاث سنوات على الأحياء الغربية لمدينة دير الزور والمطار العسكري المجاور لها. وشهدت المدينة منذ ذلك الحين معارك عنيفة، إلى أن تمكنت القوات النظامية الخميس من فرض سيطرتها كاملة عليها. كان تعداد سكان مدينة الزور قبل اندلاع الحرب يقدر بنحو 300 ألف نسمة. وقدّرت الأممالمتحدة قبل كسر الحصار تعداد السكان في الأحياء تحت سيطرة قوات النظام بأكثر من 90 ألف مدني. وقدر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بدوره عدد المدنيين في الأحياء الشرقية بعشرة آلاف شخص. وتسبب حصار تنظيم «داعش» للمدينة بمفاقمة معاناة السكان مع النقص في المواد الغذائية والخدمات الطبية. ولم يكن الوصول الى مناطق سيطرة الجيش متاحاً وبات الاعتماد بالدرجة الأولى على مساعدات غذائية تلقيها طائرات سورية وروسية. وبدأ برنامج الأغذية العالمي عام 2016 ايضاً إلقاء مساعدات انسانية من الجو. وعانى المدنيون المقيمون في الأحياء تحت سيطرة عناصر التنظيم الإرهابي، وفق ناشطين، أيضاً من شح المواد الغذائية وانقطاع خدمات المياه والكهرباء. وتشكل محافظة دير الزور حالياً مسرحاً لعمليتين عسكريتين، الأولى تقودها القوات النظامية السورية بدعم روسي عند الضفاف الغربية لنهر الفرات حيث تقع مدينتا دير الزور والبوكمال، والثانية تشنها «قوات سورية الديموقراطية» بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد إرهابيي «داعش» عند الضفاف الشرقية للنهر الذي يقسم المحافظة. وعلى رغم طرده من مناطق واسعة منها، لا يزال التنظيم يسيطر على 37 في المئة من محافظة دير الزور، وتعد مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، آخر أهم معاقله فيها. كما لا يزال يسيطر على بعض الجيوب المحدودة في محافظة حمص (وسط) وقرب دمشق وفي جنوب البلاد. وبات الجيش السوري يسيطر على 32 في المئة من محافظة دير الزور مقابل 31 في المئة تحت سيطرة «قوات سورية الديموقراطية» (تحالف فصائل كردية وعربية). وتتركز أنظار قوى إقليمية ودولية على منطقة وادي الفرات هذه. وانعكس التنافس في شكل واضح نهاية الأسبوع الماضي حين سيطرت قوات سورية الديموقراطية بدعم أميركي على حقل العمر النفطي الذي كان يشكل هدفاً للجيش السوري وحليفته روسيا. ويضع الجيش السوري، ومن معه من مقاتلين لبنانيين في حزب الله أو أفغان وعراقيين وإيرانيين، نصب أعينهم اليوم مدينة البوكمال الحدودية مع العراق والتي تقع على الجهة المقابلة لمدينة القائم في العراقية. ويتقدم الجيش السوري بغطاء جوي روسي نحو البوكمال من الجهة الجنوبية الغربية، إلا أنه لا يزال يبعد عنها مسافة 40 كيلومتراً على الأقل. ومن المتوقع أن تلتقي القوات السورية والعراقية عند نقطة على جانبي الحدود، بين مدينتي القائم والبوكمال، لتطويق التنظيم المتطرف في منطقة وادي الفرات الممتدة من دير الزور إلى القائم. ودخلت القوات العراقية صباح امس مركز مدينة القائم في غرب العراق بعد تمهيد من سلاح المدفعية وطيران الجيش والتحالف الدولي بقيادة واشنطن. ويرى محللون أن منطقة وادي الفرات الممتدة من ما تبقى لتنظيم «داعش» في محافظة دير الزور إلى القائم تشكل «مركز الثقل الحيوي للتنظيم»، وهي منطقة ذات طبيعة صحراوية، فقيرة ومهملة من السلطات المركزية، كما يغلب عليها الطابع القبلي.