في ورشة لصناعة الحلويات الشامية في حي الميدان الدمشقي، يوضب العمال حلوى البرازق التقليدية داخل علب كرتون ويغلّفونها بإحكام، لتصبح جاهزة للبيع بعدما انتعشت حركة التصدير مجدداً إثر جمود طويل فرضته الحرب. وتعد الحلويات الشامية العريقة فخر الصناعة السورية التي لطالما كانت أفضل هدية حملها السياح من دمشق، وكانت على قائمة أبرز الصناعات الغذائية المصدرة إلى الخارج ودول الخليج. خلف مكتب صغير في الورشة التابع لسلسة محال «داوود إخوان»، يجلس مدير قسم التصدير رضوان داوود (44 سنة)، ويسجل بدقة آخر طلبات الحلويات المُراد إنجازها خلال الشهر المقبل. ويقول: «نعمل منذ ستينات القرن الماضي ولم نتوقف إلا خلال فترة الحرب، تأثرنا كما تأثّر الجميع». ومحلات «داوود إخوان» عبارة عن محال حلوى شهيرة تمتلك تسعة فروع في سورية. كما تعتمد على خمسة عشر وكيلاً في ألمانيا وهولندا والسويد والدنمارك وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وكندا. وينقل المحل إنتاجه عبر الطريق البحري من طرطوس واللاذقية (غرب)، والطريق الجوي عبر مطار بيروت، في ظل عدم إمكان الوصول إلى المعابر البرية على الحدود السورية، باستثناء طريق لبنان. ويوضح رضوان «وصل تصديرنا في العام 2009 إلى أربعين طن شهرياً، إلى كندا وأميركا ومعظم الدول الأوروبية، وتوقّف التصدير تقريباً خلال سنوات الحرب. لكن حركة التصدير بدأت في العامين الماضيين واستعدنا حوالى 15 في المئة من نشاطنا». ولم تتوفر أرقام رسمية حول حركة الانتاج والتصدير، برغم تأكيد العديد من التجار انتعاش المهنة. وتشكل إعادة تصدير الانتاج متنفساً لأصحاب مصانع ومحلات الحلويات، خصوصاً بعد تراجع الطلب المحلي جراء الأزمات المعيشية والظروف الاقتصادية الصعبة وخطورة التنقل لمسافات بعيدة. إلى جانب رضوان، يعد عشرون عاملاً مئات الأقراص الطازجة من حلوى البرازق الشامية الشهية المصنوعة من طحين مشوي مغطى بالسمسم والفستق الحلبي. في الشارع العريق الذي يضيق بمحال الحلويات والأطعمة على أنواعها، تعبق روائح السمن العربي، المكون الأبرز في الحلويات الشامية الذائعة الصيت. ويتنافس أصحابها على دعوة المارين لتذوق منتجاتهم مجاناً في محاولة لدفعهم إلى الشراء. وينهمك أبو معتز (45 سنة)، أو «المعلم» كما يناديه زملاؤه، في محل «أبو عرب حيدر»، احد أشهر المحلات الدمشقية وأكثرها قدماً، في قطع قالب كبير من البقلاوة الفاخرة. ويقول: «ارتحنا كثيراً... وحان وقت العمل». وتوقف عمل هذا المحل بشكل كامل منتصف العام 2012 بعد اقفال السوق لأسبوعين جراء هجوم شنته فصائل معارضة مسلحة على حي الميدان قبل طردها منه. وتلا ذلك في السنوات اللاحقة جمود كبير في السوق. ويوضح الرجل العامل في مجال الحلويات منذ ثلاثين عاماً «في تلك الفترة كانت ذروة الجمود وتوقّف التصدير بشكل نهائي بسبب انعدام طرق التصدير البرّي (...) كنّا نصدّر إلى كل دول الخليج العربي». ويضيف «كما توقّف السوق المحلّي بعد توجّه الناس للادخار وشراء الحاجيات الأساسية وليس الكماليات». ويتنقل أبو معتز بين المحلّ المخصّص للسوق المحلّي، وبين محل مجاور مخصّص للتصدير إلى الخارج، يلبي بشكل رئيسي حاجات أربعة فروع للمحل افتتحها قبل نحو عامين في مدن ألمانية، وفرع خامس في عمّان في الأردن. ويقول «بات السوريون في كل مكان في الخارج لا سيّما ألمانيا» التي شكلت وجهة رئيسية لعشرات الالاف من المهاجرين السوريين الذين فروا من الحرب المستمرة في بلادهم. ويدخل زبائن عراقيون إلى المحل ليشتروا أكثر من خمسين كيلوغراماً من أنواع عدة، ما تبلغ كلفته على الأقل 300 دولار. ويحمل أبو معتز قطعة بقلاوة طازجة ويشرح بفخر «قطعة الحلوى هذه تتكوّن من مواد تأتي من كل المدن، الفستق من حماه (وسط)، والسمن من دير الزور والرقّة (شرق)، والطحين من حوران (جنوب). كلّها مكوّنات سوريّة مئة بالمئة». ويضيف «كلّما تأثرت منطقة ما بالأحداث السورية، تأثرت أيضاً نكهة الحلويات، لأننا نبحث عن بديل للمكوّنات التي لا تكون عادة بالجودة ذاتها».