استعادت الحكومة العراقية سيادتها على «الأراضي المتنازع عليها»، فيما خسر الأكراد معظم المكاسب التي حققوها، منذ الغزو الأميركي عام 2003. وكانت أحدث خطوة في هذا الاتجاه، بدء الإجراءات الفعلية لتسلم بغداد معبري «خابور» عند الحدود التركية و «فيشخابور» عند الحدود السورية من «البيشمركة»، وذلك بوساطة أميركية، على أن تتم إدارتهما في شكل مشترك بين أربيل وبغداد. واستقبل المعبران أمس شاحنات وحافلات آتية من سورية، حيث يسيطر حزب «الاتحاد الديموقراطي» الموالي لحزب «العمال». وفيما تعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي دفع رواتب «البيشمركة» والموظفين في كردستان، حضت الولاياتالمتحدة ودول أوروبية الإقليم على بناء مؤسسات ديموقراطية وإفساح المجال أمام «جيل جديد» من السياسيين لحل الخلافات مع بغداد، بعد إعلان مسعود بارزاني التنحي عن الرئاسة. وجاء تسلم المعبرين، في إطار مفاوضات تجرى منذ ثلاثة أيام بين وفد من الجيش الاتحادي وآخر من «البيشمركة» بضغط أميركي، أفضى إلى إعلان هدنة لوقف النار بين الطرفين، والسماح للسلطات الاتحادية بإعادة فرض سيطرتها على المناطق المتنازع عليها. وجاء في بيان ل «قيادة العمليات المشتركة» أن «الفريق الفني العسكري برئاسة رئيس الأركان أجرى زيارة ميدانية للمعبرين (المثلث الحدودي العراقي- السوري- التركي)، للاطلاع ميدانياً على الوضع وتحديد المطلوب عسكرياً وأمنياً لاستكمال تنفيذ قرارات الحكومة بتسلم الحدود الدولية وإدارة المنافذ ونشر الجيش في كل المناطق التي اعتبرها الإقليم ضمن حدوده بعد عام 2003». وأفادت وكالة «الأناضول» بأن «قوات تركية وعراقية توجهت إلى معبر الخابور (إبراهيم الخليل) لتسليمه إلى السلطة الاتحادية»، وأعلن رئيس الوزراء بن علي يلدريم خلال اجتماع مع أعضاء في حزب «العدالة والتنمية» الحاكم «تسليم المعبر إلى بغداد». وقال: «سنفتح بوابة حدودية أخرى عبر قضاء تلعفر بالاتفاق مع الحكومة العراقية»، إلا أن مسؤولين في الجمارك ووزارة «البيشمركة» نفوا «وصول أي قوات اتحادية إلى المعبر». ولمعبر الخابور (إبراهيم الخليل) أهمية بالغة، فهو الشريان التركي الوحيد مع العراق عبر الإقليم الكردي، ويتجاوز التبادل التجاري السنوي عبره ثمانية بلايين دولار. وشهدت هذه المنطقة في أيلول (سبتمبر) الماضي مناورات عسكرية عراقية- تركية، شكلت رسالة تهديد قوية من الجانبين إلى الإقليم، بعد تنظيمه استفتاء على الانفصال. وسبق أن سيطرت القوات العراقية على معبر فيشخابور الذي يقابله معبر «سيمالكا» على الجانب السوري. وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مقابلة مع صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية إن حكومته «ستضع حداً لعقود من الحكم الذاتي في كردستان»، مشيراً إلى أن «كل الحدود يجب أن تبقى تحت السلطة الاتحادية، بما فيها خط أنابيب النفط الذي يصل إلى تركيا». وأكد «نيته العمل كي تصبح البيشمركة جزءاً من القوات الاتحادية أو قوة محلية، إذ إنها تعاني من فساد، خصوصاً أنها فشلت في الدفاع عن حدود الإقليم ضد داعش عام 2014 واستنجدت بأميركا وإيران». وتنتهي اليوم رسمياً ولاية بارزاني الذي أعلن تنحيه، فيما أقر البرلمان الكردي توزيع صلاحياته السبت الماضي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، في جلسة شهدت اقتحام مناصريه مبنى البرلمان والاعتداء بالعصي على طواقم صحافية ونواب، فضلاً عن حرقهم مقار حزبية في محافظة دهوك، ما أثار مخاوف من نشوب «حرب أهلية». ويرى مراقبون أن خطوة بارزاني ستزيل العقبات أمام عودة أربيل وبغداد إلى طاولة المفاوضات، لحل خلافاتهما وبلورة اتفاق بصيغة جديدة، بناء على المتغيرات التي حصلت في أعقاب سيطرة بغداد على المناطق المتنازع عليها. وتفاقمت الانقسامات الكردية خلال الأيام القليلة الماضية، ووجه لاهور شيخ جنكي، مسؤول جهاز «الأمن والمعلومات» التابع لحزب «الاتحاد الوطني» انتقادات حادة إلى بارزاني، ودعاه إلى «عدم التفكير في دفع الأوضاع إلى مستنقع حروب داخلية في هذا الظرف الدقيق، من خلال توجيهه اتهامات بالخيانة إلى جهات سياسية للتغطية على هزيمته»، ودعاه إلى «تحمل مسؤولية الكارثة والهزيمة التي حلت بالقضية الكردية نتيجة إصراره على تنظيم الاستفتاء». في المواقف الدولية، واصلت الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا ضغوطها على الأكراد للدخول في حوار مع بغداد في إطار «الدستور العراقي وضمانة وحدة البلاد»، وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان بإقدام بارزاني على التنحي، ودعا «الطرفين إلى الامتناع عن أي مواجهة عسكرية، ومواصلة طريق الحوار بدعم من الأممالمتحدة». وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في اتصالين هاتفيين مع رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني والعبادي إن بلاده «ستستمر في دعم الأكراد في إطار عراق موحد»، ودعاهما إلى «حل سريع وسلمي في إطار الدستور». وأكد مبعوث الرئيس الأميركي لدى التحالف الدولي بريت ماكغورك في تغريدة عبر «تويتر» أن واشنطن «تدعم حكومة إقليم كردستان قوية في عراق موحد وفيديرالي، وتدعو الأحزاب الكردية إلى دعم حكومة الإقليم في الفترة التي ستسبق انتخابات عام 2018». إلى ذلك، قال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغريك إن المنظمة الدولية «مستمرة في اتصالاتها مع قادة الحكومة المركزية في بغداد ومع القادة الذين يتولون زمام الأمور في الإقليم»، وأضاف أن «بعثتنا في العراق تقدر النداء الذي أطلقته حكومة الإقليم، ووكالة أمنه لالتزام الهدوء، وكذلك نداءات الحكومة الاتحادية لوقف التصعيد والامتثال للقانون». وأبلغ المبعوث الخاص للرئيس الروسي نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، ممثل المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني بأن «سياسة موسكو الثابتة تدعم سيادة أراضي الدولة العراقية ووحدتها».