1 مئات الآلاف من مسلمي الرّوهينغا، معظمهم أطفالٌ، في قبضة الموت، جوعاً ومرَضاً وتشرُّداً. أتخيّل كُلاًّ منهم يستيقظ كلّ يوم، إن كان من حظّه أن يستيقظ، ويفكّر في مئات الملايين من المسلمين الذين يشكِّلون أكثر من خمس البشرية، ولسانُ حاله ما قاله شاعرٌ عربيٌّ قديم عن المسلمين في عصره، وبخاصّةٍ العرب: إنّي لأفتحُ عيني حين أفتحها على كثيرٍ ولكن لا أرى أحداً. وهذا ما قيل وما يُقال، بشكلٍ أو آخر، عن فلسطين والفلسطينيين، منذ منتصف القرن الماضي. 2 مَن يفصل الغصنَ عن ظلِّه: صديقتُه الشّمس، أم أمُّه الشّجرة؟ ومتى يكون الفصلُ ضرورةً لتعميقِ الوصْل؟ وكيف؟ 3 أليسَتْ آثارُ الخطوات، هي أيضاً، آثاراً لجسم صاحبها، ولحياته؟ لكن هل ستكون هناك آثارٌ لخطوات الإنسان الآليّ الذي يعمل العلمُ الحديثُ على تكوينه؟ هل سيسير كمثل سلَفِه الإنسان الآدَميّ، في الصحراء، والغابة، والمدينة؟ هل ستكون له ذكرياتٌ وأحلام؟ وما سيكون الزّمَنُ بالنّسبة إليه؟ هل سيزول ما يُسَمّى الماضي، والمستقبل، ويُختَزَلُ الزّمنُ كلُّه في اللحظة الحاضرة؟ 4 الحظُّ ؟ بابٌ خلفيٌّ في بيت الضّرورة. 5 تكون الهجرةُ خلاّقةً أو لا تكونُ إلاّ تَسَوُّلاً. وأن تكون الهجرةُ خلاّقةً هو أن تتحوّل إلى طاقةٍ تتحرّك بدءاً من «الهامش»، لكن لغايةٍ واحدةٍ هي أن تُصبحَ جزءاً عضويّاً من «المَتْن». 6 يكادُ الليلُ في العالّم كلِّه، بسببٍ من انهياراته المتنوِّعة، أن يُصبِحَ شحّاذاً على بابِ الشّمس، ويكاد النّهارُ أن يكون حارساً فقيراً وراء ذلك الباب. وها هي معظم السياسات، في الغرب، على الأخصّ، تبتكر أشكالاً من الحياة والفكر، لا تنبثق من الفرادات الإنسانية، بل من أبواق الكمّ العدديّ وطبوله، والحرّيّات في هذه الأشكال «قنابل» معنويّةٌ ومادّيّة، وانتصاراتها انفجارات. «فمٌ» يلغو بحرّياته، و «جسمٌ» يزهو بعبوديّاته. والعالم اثنان: متبوعٌ وتابِع، سجينٌ وسجّان. هل الإنسانُ جرحٌ لا يَلْتَئمُ في جسدِ الأرض؟ 7 تُخطىء الحقيقةُ عندما تبدأ بالقول: لا حقيقة غيري. 8 أوه ! تلك المرأة، تلك الفراشة التي قتَلَها الضّوء. 9 لا تنتظِرْ ما يُنتَظَرُ، عادةً. 10 يقولُ هوراس: «أكره الجمهورَ الجاهلَ وأتجنّبُه». يقول أيضاً: «التّناغُمُ المُتنافِرُ بين الأشياء: ذلك هو الواقع». 11 أن نكتب، أو فعل الكتابة، طاقةٌ أُعطِيَت إلى الإنسان، لكي يتحاور مع ذاته ومع الآخر. وهي طاقةٌ تجلّت قبل ابتكار الأبجديّة، في بغداد (سومر، بابل، آشور) وفي مصر الفرعونيّة، وفي أثينا اليونانية، تمثيلاً لا حصراً. الكتابة تحديداً، هي مكان الخَرْقِ وأداتُه. وهي حصراً القوة التي يتميّز بها الإنسان، وحده، بين المخلوقات كلّها. ونشأت الكتابة، بوصفها مُساءلةً للعالم وأشيائه، وبوصفها بحثاً. وأهمّيّة الأجوبة التي تتيحها المساءلة في هذا البحث، هي كونها تدفع إلى مزيدٍ من الأسئلة لمزيدٍ من المعرفة والكشف. هكذا تنقلنا الكتابة، دائماً، إلى مكانٍ آخر، لا في انطواء حنينيّ بل في مغامرة افتتاحيّة استقصائيّة، حتى عندما تستخدم أجنحة الذّاكرة. وثمّة دمٌ يجري في شرايينها هو الشكّ. لا تشكّ الطبيعة. لا يشكّ ما وراء الطّبيعة. الإنسان وحده يشكّ. لسبب أساس: العالم أمامه، لا وراءه، وطريقه نحو الأمام سؤال شكّ. لكي يعرف كيف يعبر «قنطرة اليقين» لأجل مزيد من الشكّ، أي لأجل مزيد من المعرفة. 12 بلى ثمّة بشرٌ ينقرضون لأنّ الحياة نفسها ضاقَت بهم. 13 وصلت الشمس متأخّرة إلى مكان لقائنا، هذا اليوم. كان عطرها قد سبقها قليلاً لكي يُعلِن النّبأ. الأجنحة التي رافقت هذا العطر كانت غارقةً في رقصةٍ نسيتُ اسمَها. وبعضهم قال: لا اسمَ لها. 14 الحجر يفكّر، والماء يُنشد. الكتاب، وفقاً لما يقوله الحبر، خطأٌ في الإملاء الذي يمارسه الغيم. 15 ترى هل في الأشياء المادّيّة نفسها «دمٌ» أعَزُّ على بعضنا، نحن بني الإنسان من دم الإنسان نفسه؟ 16 الأثرُ يمّحي، الظِّلُّ يمّحي. الأصلُ هو كذلك يمّحي وتيمُّناً بهذا التغيُّر، أحبّ أن أسأل: متى ستحلُّ «شمسُ العرب» محلّ «شمس الذّهَب»؟ 17 كيف أعرف عينيّ في الشمس، دون أن أُطبِق أجفاني؟ تلك هي المسألة في معنى الضّوء. إذاً، لن أرفعَ غيرَ الأعلام التي تنسجها يدُ الحريّة، ولن أقرأ العالمَ إلاّ بخطواتي. 18 «ثُوّارٌ»، تقول؟ إذاً، قُلْ لي لماذا يتّصِفون بصفات أولئك الذين يثورون عليهم، وبينها في المَقامِ الأوّل، الطّغيان والتّبَعيّة؟ 19 هل يمكن النّظر إلى الثّورة في ذاتها، في معزلٍ كاملٍ عن العلاقة بين الرّؤية والممارسة، وبإهمالٍ كاملٍ للقائمين بها؟ أليس في ذلك إفسادٌ للنّظر ذاته، وللحقيقة، وللواقع، والإنسان نفسه في آن معاً؟ وما يصحّ على الثّورة يصحّ كذلك على قضايا كثيرة، يتَصَدّرُها الدّين. إضافةً إلى أنّ هناك أشخاصاً كثيرين «يثورون»، لا لكي يتحرّروا، وإنّما لكي يؤصِّلوا عبوديّاتهم. 20 الأثر يمّحي، الظلّ يمّحي. الأصلُ هو كذلك يمّحي. وها هي «شَمسُ الذّهب» تحلّ محلّ «شمس العرَب». 21 حاولْتُ، مرّةً، أن أستعين بثنائيّة «الثّابت» و «المتحوِّل» لكي أُحسن فهمي لطبيعة الدّاء الثّقافيّ الذي ينخر عقلَ الإنسان العربيّ وفكره. وكانت في ذهني آنذاك ثنائيّات أخرى كثيرة : أهمّها المنتهي واللامنتهي، المنغلق والمنفتح، المطلق النّهائيّ، والتاريخيّ النّسبيّ. وكنت أعرف أنّ الثنائيّات لا تقدر أن تجيب، وإنّما تقدر أن تُشير، وتحرّك، وأنّها الأكثر إضاءةً لتاريخنا، بوصفها زلزلة لكلّ ما استقرّ وساد. هكذا رأيت في ضوء هذه الثّنائيّة أنّ السّلطات في العالم العربيّ الإسلاميّ، لم تتحرّك، من أجل أن يتقدّم المجتمع بوصفه كلاًّ لا يتجزّأ، وإنّما من أجل غرَضٍ آخر واحد: تغيير السلطة القائمة. ولا يزال هذا «الثّابت» قائماً حتى الآن. يبقى أن نقول: لماذا؟