«المياه في العالم العربي: منظور الإدارة والأساليب المبتكرة»، كتابٌ جديد أصدره البنك الدولي وضمّنه معرفته وتجاربه في مجال إدارة الموارد المائية في أكثر مناطق العالم جفافاً على وجه الأرض. يناقش الكتاب مواضيع ذات صلة بالمياه من ناحية التأثير المتوقع لتغيّر المناخ على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتكنولوجيات الري وتحلية المياه، وفن دبلوماسية المياه. وفي معرض تقويمه للكتاب، قال مدير فريق قطاع المياه في مكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، فيجاي جاغانّاثان: ترتكز فكرة الكتاب إلى «توثيق المعارف المتأصلة» الحالية التي أوضحتها مشاريع مولها البنك الدولي في الشرق الأوسط دعماً لإدارة مورد شحيح وبالغ الأهمية في المنطقة. «فمن المسلّمات لدى البنك أن تحصل على المياه عندما تفتح الصنبور. وبالمثل، يخطط المزارعون في المنطقة أنماط زراعة المحاصيل على أساس درجة توافر مياه الري، وعندما لا تتوافر تؤثر سلباً على حاصلاتهم». ويأتي الكتاب، الذي اشترك البنك الدولي والحكومة الهولندية في تمويل إعداده من خلال برنامج شراكة المياه بينهما، في إطار جهد أوسع للبنك يهدف إلى تجميع المعارف المكتسبة من خبراته وتجاربه في البلدان النامية. ويعرض كتاب «المياه في العالم العربي» أفكاراً وتحليلات ورؤى حول سبل إدارة الموارد المائية في الشرق الأوسط بقدر أكبر من الكفاءة والاستدامة. وفي السنوات الأخيرة، تزايد تبني واضعي السياسات في المنطقة، فكرة الإدارة «الكلية» للمياه على صعيدي الموارد والخدمات. ويعرض الكتاب أيضاً تجارب قطرية تدور حول خمسة عناصر لإدارة المياه، هي: الإمدادات، التوزيع، نظام الإدارة، المسؤوليات والأعمال الهندسية. يشمل الكتاب 24 فصلاً تعالج قضايا أساسية تتعلق بسياسات إدارة المياه، ودور المشاركة والمفاضلة في اتخاذ القرارات وتأثير القوانين والتشريعات المنظمة لإدارة المياه وإجراءات غيرها وخبرات تفويض تقديم خدمات المياه إلى المستويات الإدارية المناسبة الأدنى، ودراسات تتضمن رؤية مستقبلية في شأن مناهج الاستثمار الجديدة في المياه. ويعرض أحد فصوله وسائل الري المبتكرة في دلتا نهر النيل، وهو جهد يهدف إلى ترشيد تقديم المياه والاستجابة إلى احتياجات المزارعين. وبحث فصل آخر في فعالية الدعم المالي الموجه بعناية إلى أسعار المياه في الوصول إلى الفقراء في المغرب. وفي هذا الصدد، يقول جاغانّاثان الذي شارك في تحرير الكتاب، مع أحمد شوقي عبد الغني (خبير أول متخصص في شؤون الموارد المائية) وألكسندر كريمر (خبير اقتصادي قطاعي أول): «تمكنت الحكومة المغربية من توفير خدمات يمكن التعويل عليها في الإمداد بالمياه، بتقديم إعانات دعم موجهة لا تؤثر على الحوافز المشجعة لشركات خدمات تأمين إمداد المياه، موثوقة وآمنة للمجتمع المحلي بأسره». ويركز الفصل التمهيدي للكتاب على الإدارة المتكاملة للموارد المائية لما تحظى من أهمية خاصة في المنطقة بحيث تلعب مرافق البنية الأساسية المائية «دوراً اقتصادياً حاسم الأهمية». وتقع هذه البلدان إما في منطقة جافة أو شديدة الجفاف، وتعتمد على هطول الأمطار الموسمية، ويجري بها عدد قليل للغاية من الأنهار ينبع بعضها من بلدان أخرى وتعتمد في أحوال كثيرة على مكامن هشة للمياه وأحياناً غير متجددة. «ونتيجة لذلك، فإن اقتصاداتها أكثر حساسية لأساليب استخراج المياه ونقلها واستهلاكها مقارنة بالبلدان الواقعة في مناطق أخرى». يقول جاغانّاثان في الفصل الذي أعده في شأن «تضييق الفجوة العملية في إدارة المياه»: نظراً إلى أن المياه تُعتبر مورداً شحيحاً وله استخدامات متنافسة، تحتاج المنطقة إلى إستراتيجية إدارية تتطلع إلى ما وراء الحلول الهندسية لتشمل إعادة النظر في أنظمة حقوق المياه والأطر التنظيمية وعلاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. يعتبر الكتاب مشكلة الاحترار العالمي سبباً رئيساً يقتضي تعزيز إدارة المياه والأساليب الابتكارية، فتغيّر المناخ يخلق بالفعل تحديات جديدة بالنسبة إلى إدارة المياه، ويؤدي إلى تغيير الافتراضات الراسخة لدى بلدان كثيرة منذ قرون طويلة. وتتوقع نماذج الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيّر المناخ ازدياد درجات الحرارة وتقلب كميات المياه المتوافرة في بلدان المنطقة، كما ستنخفض معدلات هطول الأمطار بما يصل إلى 30 في المئة بحلول عام2050. وتؤكد النتائج الأخيرة التي توصل إليها الفريق الحكومي، الاتجاهات العامة التي لوحظت في الجزائر والمغرب وتونس في السنوات العشر الأخيرة، إذ لم تعد البيانات التاريخية الخاصة بأنماط هطول الأمطار تقدم توقعات دقيقة حول هطول الأمطار في المستقبل. ويبين الكتاب أن جانباً من الحل بالنسبة إلى المنطقة يتمثل في إعداد حزمة إصلاحات تعالج كلاً من الطلب على المياه مثل وضع حوافز لتشجيع المزارعين للتحول إلى محاصيل ذات إنتاجية مائية عالية، والإمدادات بالمياه، مثلاً حفظ المياه عن طريق تحديث شبكات الري وأساليبه وتحسين تتبع دورة المياه والتبخر.