بصعوبة التقطت الرضيعة سحر التي أتمت شهرها الأول أنفاسها خلال الساعات الماضية فيما كان جسدها الهزيل يرتجف، قبل أن يستسلم أمس عاجزاً عن مقاومة سوء التغذية الحاد الذي عانته، ويهدد مئات الأطفال في الغوطة الشرقية المحاصرة. وتعاني منطقة الغوطة الشرقية، أبرز معقل للفصائل المعارضة قرب دمشق من حصار خانق منذ عام 2013. وعلى رغم كونها إحدى أربع مناطق يشملها اتفاق خفض التوتر في سورية، لكن دخول المساعدات لا يزال خجولاً، ما يفاقم معاناة المدنيين في ظل ندرة مواد غذائية رئيسية. التقط مصور متعاون مع وكالة فرانس برس مشاهد لسحر، عمرها 34 يوماً، بعدما أحضرتها والدتها الى مستشفى دار الشفاء في مدينة حمورية. تظهر سحر باكية. جسدها العاري هزيل للغاية وتبرز عظامها بوضوح. وزنها 1920 غراماً، أي أقل من كيلوغرامين وتتنفس بصعوبة فيما تبدو عيناها خائرتي القوى. تحاول البكاء من دون ان تصدر صوتاً قوياً. وبالقرب منها كانت والدتها الفتية تجهش بالبكاء. عانت سحر وفق ما قال مصدر طبي في المستشفى حالة سوء تغذية شديد، في ظل عجز والدتها التي تعاني بدورها من سوء تغذية عن إرضاعها. ولم يتمكن الوالد العامل في محل لبيع اللحوم مقابل راتب زهيد من توفير الحليب والمكملات الغذائية الضرورية. على رغم ذلك، حاول الوالدان إنقاذ طفلتهما الوحيدة، لكنها توفيت صباح أمس في المستشفى قبل أن ينقلاها الى مسقط رأسهما في بلدة كفربطنا ويتم دفنها هناك. داخل المستشفى ذاته وكذلك في «مركز الحكيم الطبي»، الذي يتضمن عيادة مخصصة لحالات سوء التغذية، التابعين للمؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية، منظمة غير حكومية مقرها إسطنبول، يؤكد الأطباء أنهم يعاينون يومياً عشرات حالات سوء التغذية بين الأطفال خصوصاً في الأشهر الأخيرة. ويوضح الدكتور يحيى أبو يحيى وهو مدير القسم الطبي في المنظمة الإنسانية أن فروع «مركز الحكيم» وعددها 11 في الغوطة الشرقية «استقبلت في الأشهر الثلاثة الأخيرة حتى الآن 9700 طفل، يعاني 80 منهم تقريباً من سوء تغذية حاد شديد ومئتان آخران من سوء تغذية حاد متوسط». وأوضح أن «4000 طفل آخرين يعانون من درجات مختلفة من الحاجة إلى المغذيات الدقيقة»، مضيفاً «هذا مؤشر خطير جداً وكبير». ويعيش نحو ثلاثة ملايين شخص في سورية في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها، 400 ألف منهم محاصرون ومعظمهم في الغوطة الشرقية، وفق الأممالمتحدة. ويشير الطبيب إلى عدم توافر عناصر غذائية رئيسية في الغوطة الشرقية، على الأطفال تناولها يومياً «كالسكريات والمواد البروتينية والفيتامينات»، في حين أن المواد المخصصة لعلاج حالات سوء التغذية على أنواعها «غير متوافرة». ويوضح أن «الكميات المرسلة عن طريق الأممالمتحدة ... لا تلبي إلا 5 إلى 10 في المئة من احتياجات أطفال الغوطة» الذين يعانون من سوء التغذية على أنواعها. ووفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فإن آخر قافلة إنسانية تتضمّن مساعدات غذائية وطبية ومستلزمات أخرى دخلت إلى ثلاث مدن محاصرة فقط في الغوطة الشرقية في 23 أيلول (سبتمبر)، بعد دخول قافلة مماثلة في حزيران (يونيو).